يُضْعِفُهُ ذَلِكَ الطُّولُ. فَفِي مَسَائِلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ وُكِّلَ عَلَى خُصُومَةٍ فَلَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ إمَّا أَنْشَبَ الْخُصُومَةَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَالَ: " يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَى الْمُوَكِّلِ يَسْأَلُ أَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ أَمْ خَلَعَهُ؟ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ".
(قَالَ الشَّارِحُ) : " وَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مَا يَشْهَدُ لِهَذَا ". وَ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ تَوْكِيلُهُ عَلَى خُصُومَةٍ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ صِلَةُ (مَنْ) وَجُمْلَةُ (فَالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ) خَبَرُ (مَنْ) .
وَإِنْ يَكُنْ قَدَّمَ لِلْمُخَاصَمَهْ ... وَتَمَّ مَا أَرَادَ مَعَ مَنْ خَاصَمَهْ
وَرَامَ أَنْ يُنْشِئَ أُخْرَى فَلَهُ ... ذَاكَ إذَا أَطْلَقَ مَنْ وَكَّلَهُ
وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ نِصْفُ عَامِ ... مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِلْخِصَامِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُدِّمَ أَيْ وُكِّلَ عَلَى الْخُصُومَةِ فَخَاصَمَ وَتَمَّ خِصَامُهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَ خُصُومَةً أُخْرَى عَنْ مُوَكِّلِهِ الْأَوَّلِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِخُصُومَةٍ بِعَيْنِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (إذَا أَطْلَقَ مَنْ وَكَّلَهُ) الثَّانِي أَنْ لَا يَبْعُدَ مَا بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْخُصُومَةِ الثَّانِيَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ
وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ نِصْفُ عَامٍ
إلَخْ (قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) : " وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُبْهَمَةً، لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْهُ فِي قَضِيَّةٍ أُخْرَى يُحْدِثَانِ الْقَضِيَّةَ الْأُولَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قَضِيَّةٍ مُفَسَّرَةٍ بِمُطَالَبَةِ فُلَانٍ وَلَا فِي الْمُبْهَمَةِ إذَا طَالَ الزَّمَانُ نَحْوَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَأَمَّا إذَا اتَّصَلَ الْخِصَامُ فِيهَا فَلَهُ التَّكَلُّمُ عَنْهُ وَإِنْ طَالَ الْأَمَدُ اهـ.
(وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ عَمَّنْ قَامَ وَكَالَةً عَنْ غَائِبٍ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْآنَ لِوَلَدِ الْقَائِمِ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ فِي مَالِ الْغَائِبِ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ عَدَمَ الْإِشْهَادِ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ مَعَ تَرْكِهِ النَّظَرَ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ الثَّلَاثِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَا الْتَفَتَ إلَى قَبُولِهَا فَلَا يَصِحُّ الْآنَ الْقِيَامُ بِهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ وَكَالَةٍ أُخْرَى مِنْ الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ، أَوْ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَيُقَدِّمُ لِلنَّظَرِ فِي مَالِ الْغَائِبِ مَنْ يَرْتَضِيهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ مِنْ دَعْوَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ حَتَّى الْآنَ إذَا كَانَ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا لَا يُشْبِهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ حِينَ تَعَلَّقَ لِابْنِهِ حَقٌّ فِي مَالِ الْغَائِبِ اهـ.
(فَرْعٌ) مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْإِطْلَاقِ فِي التَّوْكِيلِ قِيَامُ الْوَكِيلِ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْقُضَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَصَّهُ بِقَاضٍ بِعَيْنِهِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُوَثِّقُونَ. (قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ) : وَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ عِنْدَ حَاكِمٍ بِعَيْنِهِ قَدْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ عِنْدَ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنِ التَّوْكِيلُ مُجْمَلًا، وَإِذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مُجْمَلًا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عِنْدَ حَاكِمِ كَذَا فَلَهُ أَنْ يُنَاظِرَ عَنْهُ حَيْثُ شَاءَ اهـ.
وَمَوْتُ مَنْ وَكَّلَ أَوْ وَكِيلِ ... يَبُتُّ مَا كَانَ مِنْ التَّوْكِيلِ
وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ مُوَكَّلُ ... بِمَوْتِ مَنْ وَكَّلَهُ يَنْعَزِلُ
وَالْعَزْلُ لِلْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ ... مِنْهُ يَحِقُّ بِوَفَاةِ الْأَوَّلِ