للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدُونِ إشْهَادٍ بَلْ بِحُصُولِ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْقَبُولِ مِنْ الزَّوْجِ بَعْدَ كَوْنِهِ صَحِيحًا مُنْعَقِدًا فَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْعَقْدِ خَوْفَ مَوْتٍ أَوْ نَدَمٍ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا بَأْسَ وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ إلَّا بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إشْهَادٍ فُسِخَ النِّكَاحُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ إنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاشِيًّا وَلَوْ عَلِمَا بِوُجُوبِ الْإِشْهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاشِيًّا حُدَّا وَلَوْ جَهِلَا وُجُوبَ الْإِشْهَادِ وَإِذَا فُسِخَ لِدُخُولِهِ قَبْلَ الْإِشْهَادِ فَتُسْتَبْرَأ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَلَهُمَا الْمُرَاجَعَةُ إنْ شَاءَا (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَعْقِدُ نِكَاحَ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَلَا يُحْضِرُ شُهُودًا أَتَكُونُ هَذِهِ الْعُقْدَةُ صَحِيحَةٌ قَالَ نَعَمْ وَيُشْهِدَانِ فِيمَا يَسْتَقْبِلَانِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَمِنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ نَكَحَ وَلَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَضُرّهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَبْنِي حَتَّى يُشْهِدَ

(قَالَ الشَّارِحُ) إنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ قَرَّرُوا حُكْمَ الْإِشْهَادِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الدُّخُولِ وَلَا يَعْتَبِرُونَ الشُّهْرَةَ الَّتِي هِيَ خَاصِّيَّةُ النِّكَاحِ فِي نَظَرِ الْأَقْدَمِينَ وَشَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الشَّرْطِ حَتَّى كَانَ عِنْدَهُمْ رُكْنٌ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَخُلُوُّ بَعْضِ الْأَنْكِحَةِ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الشُّهْرَةِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَتَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ نَوَازِلُ كَثِيرَةٌ وَفِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ انْصِرَافَ مُعْظَمِ الْقَصْدِ فِي النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ الشُّهْرَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي جَوَاهِرِهِ وَلَمْ تَكُنْ أَنْكِحَةُ السَّلَفِ بِإِشْهَادٍ وَفِي جَوَابِ الْأُسْتَاذِ أَبُو سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ عَنْ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي الْإِشْهَادَ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْمُرَاجَعَةِ مِنْ الطَّلَاقِ مَا نَصُّهُ قَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِعْلَانَ بِالنِّكَاحِ وَشُهْرَتِهِ مَعَ عِلْمِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ بِذَلِكَ يَكْفِي وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إشْهَادٌ وَهَكَذَا كَانَتْ أَنْكِحَةُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ بِاخْتِصَارٍ.

(وَمِمَّا يُنَاسِبُ) هَذَا الْمَحِلِّ الْمَسْأَلَةُ الْكَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَجَابُوا عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ آخِرِ الْفُقَهَاءِ وَقُضَاةِ الْعَدْلِ الْفَقِيهُ النَّوَازِلِيُّ أَبُو سَالِمٍ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَلَالِيُّ فَاعْتَنَى بِالْمَسْأَلَةِ وَجَمَعَ مَا اسْتَحْضَرَ فِيهَا وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأَمْلِيسِيَّةِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْإِغْرِيسِيَّةِ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَرَدَ مِنْ بَلَدِ غَرِيس وَالْأَمْلِيسُ التَّمْرُ الَّذِي لَا عَجْمَ لَهُ (وَلَفْظُ السُّؤَالِ) سُئِلْتُ عَنْ عَوَائِدَ جَرَتْ بِبَلَدِ غَرِيسَ وَنَوَاحِيهَا وَهِيَ أَنْ يُوَجِّهَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَخْطُبُ لَهُ امْرَأَةً لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا خَاطِبًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَيُجَابُ بِالْقَبُولِ وَيَتَوَاعَدُونَ لِلْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ فِي لَيْلَةِ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ لِلْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا حِنَّاءً وَحَوَائِجَ تَتَزَيَّنُ بِهَا وَهَدَايَا فِي الْمَوَاسِمِ وَيُوَلْوِلُ النِّسَاءُ عِنْد الْخِطْبَةِ وَيُسْمِعُونَ الْجِيرَانَ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَيَشْتَهِرُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ثُمَّ يَطْرَأُ عِنْدَ الْبِنَاءِ وَالْعَقْد تَنَازُعٌ وَتَنَافُرٌ بَيْنَهُمْ أَوْ مَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَهَلْ تَثْبُتُ الزَّوْجِيَّةُ بِتِلْكَ الْعَادَةِ وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ وَتُبْنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا مِنْ الْإِرْثِ وَتَحْرِيمِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ وَحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَيَتَنَزَّل ذَلِكَ كُلُّهُ مَنْزِلَةَ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ أَوْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا وَلَكُمْ الْأَجْرُ وَالسَّلَامُ اهـ.

(وَفِي) عَادَةِ أَهْلِ فَارِسَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ مِنْ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ يَتَوَاعَدُ أَهْلُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ لِيَوْمٍ وَوَقْتٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يُسَمُّونَهُ كَمَالُ الْعَطِيَّةِ وَيَأْتِي أَهْلُ الزَّوْجِ مَعَهُمْ بِمَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ مِنْ الشُّرَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَهُ الْوَجَاهَةُ وَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَيَسْمَعُ الْحَاضِرُونَ مِنْ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ إنْكَاحَ وَلِيَّتِهِ لِفُلَانٍ وَيَسْمَعُونَ مِنْ وَلِيّ الزَّوْجِ أَوْ مِمَّنْ نَابَ عَنْهُ الْقَبُولَ وَيُعَيَّنُونَ الصَّدَاقَ إمَّا جِهَارًا أَوْ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الزَّوْجَيْنِ وَيَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ وَيَنْصَرِفُونَ وَلَا يَحْضُرُ الزَّوْجُ حَيَاءً وَلَا يُشْهِدُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقَعُ مَوْتٌ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ نَدَمٌ فَيَحْتَجُّ الزَّوْجُ أَوْ وَرَثَتُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ.

(فَأَجَابَ) سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ الْمَذْكُورُ بِمَا نَصُّهُ مَعَ اخْتِصَارِ مَا أَمْكَنَ اخْتِصَارُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ الْمَذْكُورَةَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً عِنْدَهُمْ مَجْرَى الْعَقْدِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ التَّوْثِيقِ بِحَيْثُ يُرَتِّبُونَ عَلَى تِلْكَ الْأُمُورِ مِنْ إرْسَالِ الْحِنَّاءِ وَغَيْرِهَا آثَارَ النِّكَاحِ وَجَرَتْ الْأَحْكَامُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ وَتَقَرَّرَتْ أَنَّ الْإِشْهَادَ الْوَاقِعَ مِنْهُمْ لَيْلَةَ الدُّخُولِ لَيْسَ هُوَ إلَّا لِلتَّحْصِينِ مِنْ النِّزَاعِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ أَجَلِهِ وَحُلُولِهِ وَلِبَيَانِ مَا قُبِضَ مِنْ الْمَهْرِ وَمَا لَمْ يُقْبَضْ وَإِنَّ قَوْلَ السَّائِلِ وَيَتَوَاعَدُونَ لِلْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ فِي لَيْلَةِ الْبِنَاءِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَعْدَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّحْصِينِ الْمَذْكُورِ فَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ عِنْد الْقَائِلِ بِهِ أَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ يُحْكَمُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>