للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُلْزَمُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِهَا وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا هِيَ عِنْدَهُمْ تَوْطِئَةً لِلْعُقْدَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَتَوَاعَدُونَ إلَيْهَا لَيْلَةَ الْبِنَاءِ وَأَنَّهُمْ لَا إلْزَامَ بَيْنَهُمْ بِمَا يَقَعُ مِنْ الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ أَمَارَاتٌ عَلَى مَيْلِ كُلٍّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَأَنَّ تَنْجِيزَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ إلَّا عِنْدَ الْإِشْهَادِ الَّذِي يَقَعُ لَيْلَةَ الدُّخُولِ وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ تَقَرَّرَتْ عَادَتُهُمْ يَعْرِفُهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فَهَذَا أَيْضًا لَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ بِذَلِكَ وَأَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنَ وَالْأَوْصَافَ إنَّمَا هِيَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْعَقْدِ الْمُنْبَرِمِ.

وَالْأَمَارَاتُ عَلَى الشَّيْءِ هِيَ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ قَطْعًا وَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ هَكَذَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ بِتِلْكَ الْعَوَائِدِ وَعَدَمِ تَرَتُّبِ الْآثَارِ عَلَيْهَا وَأَمَّا إنْ جُهِلَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِحَيْثُ إنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ تَقَعُ بَيْنهمْ كَمَا وُصِفَ فَإِنْ سُئِلُوا عَنْ عَادَتِهِمْ هَلْ مُرَادُهُمْ الْعَقْدُ الْمُبْرَمُ اللَّازِمِ أَوْ الْوَعْدُ وَالْأَمَارَةُ وَأَمَّا الِانْبِرَامُ فَإِنَّمَا يَقَعُ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ فَلَمْ يُحَرِّرُوا شَيْئًا مِنْ عَادَتِهِمْ فَهَذَا هُوَ مَحِلُّ الْإِشْكَالِ عَلَى مَاذَا يُحْمَلُ هَلْ عَلَى الِانْبِرَامِ أَوْ الْحِلِّ وَلَعَلَّ هَذَا الْقِسْمَ هُوَ مَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا يَأْتِي فَمَنْ قَالَ إنَّهَا تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَقْدِ الْمُبْرَمِ يَقُولُ إنَّ الْأَرْكَانَ الْمَذْكُورَةَ فِي النِّكَاحِ كُلُّهَا حَاصِلَةٌ فِي الْوَاقِعِ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْنَى وَأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْفِعْلِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مُتَعَبَّدٌ بِهِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقَعُ وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ دَلَالَةً وَاضِحَةً مَقَامَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الصِّفَةِ الْمَعْهُودَةِ عَلَيْهِ يَقُولُ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ وَعَلَى هَذَا يُتَنَزَّلُ اخْتِلَافُ فَتَاوَى الشُّيُوخِ.

(فَأَفْتَى) جَمَاعَةٌ بِلُزُومِ النِّكَاحِ مِنْهُمْ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ الْمَزْدَغِيُّ (قَالَ فِي الْمِعْيَارِ) وَسَأَلَ عَنْ يَتِيمَةٍ عَقَدَ عَلَيْهَا أَخُوهَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهَا لَهُ غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ حَضَرُوا وَطَلَبُوهُ وَأَعْطَاهُمْ وَأَكَلُوا طَعَامًا فِي الْوَقْتِ وَقَامَتْ الْوَلَاوِلُ وَذَلِكَ مُنْذُ عَامَيْنِ وَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ إنْكَارًا وَلَا قَبُولًا إلَى الْآنَ وَقَبْلَهُ بِمُدَّةٍ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ وَقَالَتْ لَمْ أُوَافِقْ فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا الَّذِي أَرَادَ تَزْوِيجَهَا أَرْسَلْت إلَيْك الْحِنَّاءَ وَالصَّابُونَ وَالْفَاكِهَةَ فِي الْحَاجُوزِ وَالْأَعْيَادِ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ حِينَ يَتَزَوَّجُونَ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاكِ وَهَلْ إذَا ثَبَتَ هَذَا وَشَهِدَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ الْحِنَّاءَ مِنْ عِنْدِهِ وَكَذَا الْفَاكِهَةَ يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا مِنْهَا بِالزَّوَاجِ أَمْ لَا حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهَا الْإِشْهَادَ بِالْوَكَالَةِ وَالرِّضَا بِالْمَهْرِ وَنَقْدِهِ وَكَالَتَهُ فَبَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بَيَانًا شَافِيًا مَشْكُورِينَ مَأْجُورِينَ.

(فَأَجَابَ) الْجَوَابُ وَاَللَّهُ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ وَالْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ عَمَّا ذُكِرَ أَعْلَاهُ أَنَّ الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ إنْ أَكَلَتْ مِنْ تِلْكَ الْفَاكِهَةِ وَغَسَلَتْ بِذَلِكَ الصَّابُونِ أَوْ صَبَغَتْ بِتِلْكَ الْحِنَّاءِ وَصَدَقَتْ طُولَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهَا النِّكَاحَ مَعَ أَنَّ تَهْنِئَةَ النَّاسِ لَهَا مَعَ سُكُوتِهَا وَتَسْمِيَتِهَا بِامْرَأَةِ فُلَانٍ وَلَمْ تُنْكِرْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَهِيَ بِمَا ذُكِرَ زَوْجَتُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَكَتَبَ مُحِبُّكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَسَنِي لَطَفَ اللَّهُ بِهِ اهـ (وَأَفْتَى) جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَقِّيُّ (قَالَ فِي الْمِعْيَارِ) وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدُ الْبَقِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ بِنْتًا يَتِيمَةً مِنْ أَخِيهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى التَّزْوِيجِ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ وَحَوَائِجَ مُعْتَبَرَةٍ وَحَضَرُوا بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَعُمِلَ لَهَا طَعَامٌ وَأَكَلُوا دُونَ أَنْ تَقَعَ بَيْنَهُمْ شَهَادَةٌ وَأَعْطَاهَا أَيْضًا الْعَصْفَةَ وَأَلْقَتْهَا فِي رَأْسِهَا وَعُمِلَ لَهَا طَعَامٌ أَيْضًا وَمَشَى الرَّجُلُ مَعَ الْفُرْسَانِ فِي حِينِ السَّفَرِ لِلْغَزْوِ فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَمَضَى كَيْفَ قُضِيَ عَلَيْهِ وَقِيلَ إنَّهُ أُسِرَ وَقَامَ الْآنَ أَهْلُ الْبِنْتِ يُرِيدُونَ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بِوَاجِبِ الشَّرْعِ فَهَلْ يَحِلُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ أَمْ لَا.

(فَأَجَابَ) بَعْدَ الصَّدْرِ تَأَمَّلْت مَكْتُوبَكُمْ وَاَلَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ عَمَلُكُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَبِذَلِكَ جَرَتْ عَادَةُ الْمُفْتِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقَعْ إشْهَادٌ فَلَا نِكَاحَ بِوَجْهٍ وَلَا تَوَارُثَ وَلَا عِدَّةَ وَذَلِكَ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ مَنُوطٌ بِالْإِشْهَادِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ فَلَا نِكَاحَ وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ فَتُّوحٍ يَسْتَشْكِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَظُمَ التَّرَاكُنُ فِيهَا مِثْل هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ مِنْ كَاتِبِهِ أَحْمَدَ الْبَقِّيِّ وَفَّقَهُ اللَّهُ اهـ بِلَفْظِهِ فَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهَذَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُفْتِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ سِرَاجٍ وَالسَّرَقُسْطِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَقَعْ إشْهَادٌ فَلَا نِكَاحَ فَلْيَنْظُرْ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْإِشْهَادَ مُسْتَحَبٌّ عِنْد

<<  <  ج: ص:  >  >>