للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ كَذَا فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ا. هـ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ جَارٍ فِي غَالِبِ الصُّوَرِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الْمُثْبِتُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالنَّافِي مُدَّعِيًا وَذَلِكَ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْحَاضِرِ مَعَهَا أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَادَّعَى هُوَ الْإِنْفَاقَ فَعَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ الزَّوْجُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهُ وَالزَّوْجَةُ مُدَّعِيَةٌ إذْ لَا يَشْهَدُ لَهَا عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ وَلَا يَجْرِي عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُثْبِتٌ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالزَّوْجَةُ نَافِيَةٌ وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ.

(وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ) كُلُّ طَالِبٍ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَطْلُوبٍ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا فِي الْغَالِبِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ الطَّالِبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْمَطْلُوبُ مُدَّعِيًا، وَذَلِكَ كَالْيَتِيمِ إذَا بَلَغَ وَطَلَبَ مِنْ وَصِيِّهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَ يَدَيْهِ فَزَعَمَ الْوَصِيُّ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهُ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ فَعَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ الْوَصِيُّ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ وَالْيَتِيمُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] الْآيَةَ.

وَكَذَا عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِأَنَّ الْوَصِيَّ مُثْبِتٌ وَالْيَتِيمُ نَافٍ وَلَا يَجْرِي عَلَى الثَّالِثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ مَطْلُوبٌ وَهُوَ مُدَّعٍ وَالْيَتِيمُ طَالِبٌ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ التَّعْرِيفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. وَذَلِكَ كَمَا إذَا خَلَا الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ وَادَّعَى عَدَمَ الْمَسِيسِ وَادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا أَصْلٌ.

وَالزَّوْجَةُ مُدَّعًى عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ لَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ وَهُوَ نَافٍ مَطْلُوبٌ وَالزَّوْجَةُ مُدَّعًى عَلَيْهَا وَهِيَ مُثْبِتَةٌ طَالِبَةٌ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْمِثَالِ إلَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَدْ أَشْبَعَ فِي التَّبْصِرَةِ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ فَعَلَيْكَ بِهِ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ إنْ قُلْنَا إنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ مُدَّعٍ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي (وَالْقَوْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْلُ الْمُدَّعِي) الْبَيْتَ وَيَنْبَنِي عَلَى كَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَيَمِينُهُ يَمِينُ مُنْكِرٍ أَوْ إمَّا عَلَى كَوْنِهِ مُدَّعِيًا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَيَمِينُهُ لِكَمَالِ النِّصَابِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَأْتِي لِلنَّظْمِ فِي بَابِ الْيَمِينِ تَقْسِيمُهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ هَذَانِ اثْنَانِ مِنْهَا أَعْنِي يَمِينَ الْمُنْكِرِ وَالْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ.

(وَمَنْ يَقُولُ) مُبْتَدَأٌ مَوْصُولٌ صِلَتُهُ جُمْلَةُ يَقُولُ فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ وَفَاعِلُ يَقُولُ يَعُودُ عَلَى مَنْ وَهُوَ الرَّابِطُ لِلصِّلَةِ وَجُمْلَةُ قَدْ كَانَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَحْكِيَّةٌ لِلْقَوْلِ.

وَجُمْلَةُ ادَّعَى خَبَرُ مَنْ الْمَوْصُولَةِ (وَلَمْ يَكُنْ) مُبْتَدَأٌ أَيْ هَذَا اللَّفْظُ (وَلِمَنْ) خَبَرُهُ وَمَنْ مَوْصُولَةٌ صِلَتُهَا يُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَالْمُدَّعَى فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ ... تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَانِ

ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الرُّكْنَ الثَّالِثَ مِنْ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ شَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَحَقُّقُ الدَّعْوَى وَهُوَ شَامِلٌ لِتَحَقُّقِ عِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ مَثَلًا وَاحْتَرَزُوا بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ أَتَحَقَّقُ عِمَارَةَ ذِمَّةِ فُلَانٍ بِشَيْءٍ أَجْهَلُ مَبْلَغَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. الشَّرْطُ الثَّانِي: بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي تَرَتَّبَ لَهُ بِهِ قِبَلَ خَصْمِهِ مَا ادَّعَاهُ كَأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>