للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولَ بِعْت لَهُ أَوْ سَلَّفْته أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَرَتَّبَ مِنْ قِمَارٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا عِبْرَةَ بِهِ شَرْعًا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ ثَمَنَ مَبِيعٍ غَيْرَ جَائِزٍ كَالْخَمْرِ (قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ) فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ وَإِلَّا لَمْ يُسْمَعْ كَأَظُنُّ وَكَفَاهُ بِعْت وَتَزَوَّجْت وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ ثُمَّ قَالَ وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ وَقَبْلَ نِسْيَانِهِ بِلَا يَمِينٍ ا. هـ.

فَسُؤَالُ الْحَاكِمِ عَنْ السَّبَبِ إنَّمَا هُوَ إذَا غَفَلَ الْمَطْلُوبُ أَوْ جَهِلَ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ) يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلطَّالِبِ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَك مَا ادَّعَيْتَهُ فَإِنْ قَالَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ شُبْهَةٍ لَمْ يُكَلَّفْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَقُولَ لِلْمَطْلُوبِ أَجِبْهُ فَإِنْ أَبِي أَنْ يُجِيبَهُ جَوَابًا مُفَسِّرًا اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ دَعْنِي أَتَثَبَّتْ وَأَتَفَكَّرْ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَضْرِبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجَلًا غَيْرَ بَعِيدٍ اهـ. وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ لَمْ يُجِبْ رَأْسًا عِنْدَ قَوْلِهِ:

وَمَنْ أَبَى إقْرَارًا أَوْ إنْكَارًا

الْبَيْتَيْنِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ لَا يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ وَالتَّحْقِيقَ مُتَرَادِفَانِ أَوْ كَالْمُتَرَادَفِينَ فَالْإِتْيَانُ بِقَوْلٍ مَعْلُومٍ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ مُحَقَّقٍ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْلُومُ رَاجِعٌ إلَى تَصَوُّرِ الْمُدَّعَى فِيهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي ذِهْنِ الْقَاضِي. وَالْمُحَقَّقُ رَاجِعٌ إلَى جَزْمِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ نَوْعِ التَّصْدِيقِ فَقَدْ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْآخَرُ فَلِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لَا يُسْمَعُ: لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِاشْتِرَاطِ التَّحْقِيقِ لَا يُسْمَعُ: أَشُكُّ أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا وَأَظُنُّ وَمَا أَشْبَهَهُ اهـ.

(قَالَ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ) وَأَصْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِابْنِ شَاسٍ قَالَ أَوَّلًا وَالدَّعْوَى الْمَسْمُوعَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً مُحَقَّقَةً فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا لَمْ تُحَقَّقْ الدَّعْوَى كَأَظُنُّ أَوْ أَحْسَبُ أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَتَوَجُّهُهَا لَهُ عَلَى كُلٍّ وَعَدَمُ تَوَجُّهِهَا ثَالِثُهَا عَلَى الْمُتَّهَمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَرَابِعُهَا إنْ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ أَقْوَالٌ وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى إذَا اخْتَلَّ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ أَمَّا التَّحَقُّقُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ يَمِينَ التُّهْمَةِ أَوْ عَلِمَ الْمُدَّعَى فِيهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا تُسْمَعَ إذَا اخْتَلَّا مَعًا كَقَوْلِهِ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ شَيْئًا.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ النَّاظِمِ

تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَانِ

يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّحَقُّقِ أَمْرَيْنِ: تَحَقُّقُ عِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ وَمَعْرِفَةُ الْمُدَّعَى فِيهِ وَبِالْبَيَانِ بَيَانَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ وَعَلَى هَذَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّحَقُّقِ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُوَ الْجَزْمُ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ فَقَطْ وَبِالْبَيَانِ أَمْرَيْنِ بَيَانَ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعَى فِيهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَكَشْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَبَيَانَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ مَعْنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَيْتِ ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي بَيَانِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ مِنْ غَيْرِهَا وَزَادَ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ فَمَجْمُوعُهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ وَلَفْظُهُ فِي شَرْطِ الدَّعْوَى وَلِلدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ اهـ.

(قُلْت) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي شَرْحِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هِبَةً وَقُلْنَا إنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَيُلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْمُخَالِفِ الشَّاذِّ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَا لَمْ تُقْبَضْ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْ هَذَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ رَجَعْت عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُطَالَبَتُهُ بِشَيْءٍ وَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا رَجَعَ عَنْهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الْعِدَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَالْوَصَايَا الَّتِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا.

(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ أَوْ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَمِثَالُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: الْمَطْلُوبُ كُنْت اسْتَحْلَفْتنِي فَاحْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي عَلَى هَذَا الْحَقِّ فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ يَمِينًا ثَانِيَةً حَتَّى يَحْلِفَ وَبِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>