للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُدَّعِي مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ) هُوَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْحَدِيثِ الْكَرِيمِ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي " ثُمَّ أَفَادَ بِقَوْلِهِ:

وَحَالَةُ الْعُمُومِ فِيهِ بَيِّنَهْ

أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُطَالَبٌ بِالْبَيِّنَةِ كَيْفَ كَانَ صَالِحًا أَوْ فَاسِقًا تَقِيًّا أَوْ فَاجِرًا.

(قَالَ الْمَازِرِيُّ) جَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَهِيَ لِكُلِّ مُدَّعٍ عُمُومًا، وَقَوْلُ النَّاظِمِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَأَفَادَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (فِي عَجْزِ مُدَّعٍ) أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يُطَالَبُ بِالْيَمِينِ فِي حَالَةِ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ وَأَمَّا إنْ أَقَامَهَا فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ مُطَالَبَةَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ مُقَيَّدٌ بِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْيَمِينِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: أَقَرَّ الْخَصْمُ فَارْتَفَعَ النِّزَاعُ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي، وَبِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا (ابْنُ عَرَفَةَ) قَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَكَافَّةِ أَصْحَابِهِ الْحُكْمُ بِالْخُلْطَةِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَارِثٍ وَنَقَلَ ابْنُ زَرْقُونَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: لَا تُعْتَبَرُ الْخُلْطَةُ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَمَضَى عَمَلُ الْقُضَاةِ عِنْدَنَا عَلَيْهِ وَنَقَلَ لِي شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْكُمُ بِهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

(وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ خُلْطَةٍ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ. (وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ) كَانَ بَعْضُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَتَوَسَّطُ فِي مِثْلِ هَذَا إنْ ادَّعَى قَوْمٌ عَلَى أَشْكَالِهِمْ بِمَا يُوجِبُ الْيَمِينَ أَوْجَبَهَا دُونَ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الرَّجُلِ الْعَدْلِ مَنْ لَيْسَ مِنْ شَكْلِهِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخُلْطَةِ.

(قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ) : هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْأَنْدَلُسِيُّونَ مَذْهَبَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ خُلْطَةً وَيُوجِبُونَ الْيَمِينَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ اهـ. وَفِي هَذِهِ النَّظَائِرِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَابِ الْجِهَادِ مِنْ تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>