للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ بِمُلْزِمِ ... لِمُكْرَهٍ فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْقَسَمِ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ غَيْرَ طَائِعٍ بَلْ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَذَلِكَ مُكْرَهًا ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ الْإِمَام مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُلْزِمُهُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ فَضَمِيرُ " لَهُ " لِلطَّلَاقِ " وَلَهُ " يَتَعَلَّقُ بِمُلْزِمٍ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بَلْ وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءَ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَقْوَالِ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَقَالَ الشَّيْخُ ابْن غَازِيٍّ وَالْأَفْعَالُ الَّتِي ذَكَرُوا فِي الْبَابِ ضَرْبَانِ: (أَحَدُهُمَا) : الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ كَمَنْ حَلَفَ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، أَوْ حَلَفَ لِيَفْعَلَنَّ كَذَا وَقْت كَذَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ، كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ.

وَفِيهِ طُرُقٌ الْأُولَى: طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ قَالَ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَحُمِلَ حَتَّى أُدْخِلَهَا، أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى دَخَلَ بِنَفْسِهِ، أَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا فِي وَقْتِ كَذَا فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ غَيْرُ حَانِثٍ. وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي حِنْثِهِ ثَالِثُهَا: يَحْنَثُ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ لَا الْبِرِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ قَالَ: وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ وَهَذَا فِي الْحَالِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لَا غَيْرُ. (الضَّرْبُ الثَّانِي) الْأَفْعَالُ الْمَمْنُوعَةُ شَرْعًا وَذَلِكَ مِثْلُ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الْمُخْتَارَةِ لِذَلِكَ، وَالْمُكْرَهَةِ عَلَى أَنْ يُزْنَى بِهَا وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَخْلُوقِ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ إكْرَاهٌ.

وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرُ نَافِعٍ فِي ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ لَا قَتْلَ مُسْلِمٍ، وَقَطْعِهِ، وَأَنْ يَزْنِيَ. وَإِذَا اُعْتُبِرَ الْإِكْرَاهُ فِي الْأَفْعَالِ فَأَحْرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْأَقْوَالِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ الْمَفَاسِدَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ فِي قَلْبِهِ، وَالْأَيْمَانُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ بِخِلَافِ شُرْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>