للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرِثُهُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَإِنْ مَلَكَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، وَتَرِثُهُ هِيَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ اهـ لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) خُلْعُ الْمَرِيضِ تَامٌّ وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ.

قَالَ أَبُو عِمْرَان وَتَرِثُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَتْهُ. اهـ

وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ النَّاظِمَ اعْتَمَدَ فِي اسْتِثْنَاءِ طَلَاقِ الْخُلْعِ تَخْرِيجَ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي اسْتِثْنَاءِ التَّخْيِيرِ رِوَايَةَ زِيَادٍ فِي الْمُمَلَّكَةِ فِي الْمَرَضِ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَاسْتَظْهَرَ تَخْرِيجَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْخُلْعِ، قَالَ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ أَنْ لَا تَرِثَ اهـ بِاخْتِصَارٍ: وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي قَضَاءٍ وَلَا فَتْوَى، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ تَفَقُّهًا وَتَفَنُّنًا فَقَطْ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى رِوَايَةِ زِيَادٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: " وَيَنْفُذُ الْوَاقِعُ " أَيْ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ وَقَوْلُهُ: " مُخْتَلَطٍ " هُوَ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ. هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ، وَمَفْهُومُ " مُخْتَلَطٍ " أَنَّ غَيْرَ الْمُخْتَلَطِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَطَرِيقَةُ ابْنُ بَشِيرٍ عَكْسُ هَذِهِ إنْ كَانَ فِي حَالِ تَمْيِيزِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ مَغْمُورًا فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَعِيَاضٍ (التَّوْضِيحَ) وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ، مَيْزٌ أَمْ لَا. وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ وَالشَّاذُّ عَدَمُ لُزُومِ طَلَاقِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ اهـ

وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ (التَّوْضِيحَ) فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ. وَقَوْلُهُ: " فَلِلزَّوْجَةِ الْإِرْثُ الْمُفْتَرَضُ " أَيْ الْمُفْتَرَضُ لَهَا شَرْعًا مِنْ رُبْعٍ أَوْ ثُمُنٍ، وَقَوْلُهُ: " مَا لَمْ يَكُنْ " أَيْ الطَّلَاقُ " بِخُلْعٍ " إلَخْ أَيْ فَلَا تَرِثُهُ حِينَئِذٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْمَعْرُوفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنْ كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ وَالْمُبَرْسَمَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرِيضَ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طَلَاقِ الذَّاهِلِ بِقَوْلِ السَّائِلِ:

أَيَا قَاضِيًا فَاقَ الْأَنَامَ بِعِلْمِهِ ... وَأَرْبَى عَلَيْهِمْ بِالنُّهَى وَالْفَضَائِلِ

فَدَيْتُك هَلْ يَجْرِي الطَّلَاقُ لِذَاهِلٍ ... فَرُدَّ فَأَنْتَ الْيَوْمَ قُطْبُ الْمَسَائِلِ

(فَأَجَابَ)

إذَا كَانَ ذَا عَقْلٍ فَطَلَّقَ زَوْجَهُ ... فَقَدْ لَزِمَ التَّطْلِيقُ يَا خَيْرَ سَائِلِ

وَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا وَلَا عَقْلَ عِنْدَهُ ... يَقِينًا فَلَا يَمْضِي طَلَاقٌ لِذَاهِلِ

اهـ مِنْ شَرْحِ الْقَلْشَانِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَإِنْ اخْتَلَّ فِيهِ الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَعَمِّدِ لِإِدْخَالِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ اخْتِيَارًا.

وَالْخُلْفُ فِي مُطَلِّقٍ هَزْلًا وَضَحْ ... ثَالِثُهَا إلَّا إنْ الْهَزْلُ اتَّضَحْ

يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ طَلَّقَ عَلَى وَجْهِ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، ثَالِثُهَا: إنْ اتَّضَحَ الْهَزْلُ وَبَانَ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ لَمْ يَتَّضِحْ وَلَمْ يَبِنْ فَيَلْزَمُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي الْهَزْلِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثَالِثُهَا: إنْ قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَمْ يَلْزَمْ (التَّوْضِيحَ) وَيَلْحَقُ بِالثَّلَاثِ الرَّجْعَةُ، وَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ، لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ اللَّخْمِيِّ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إنَّمَا هُمَا قَوْلَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ يَعُدُّونَهُ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اهـ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>