للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَرْفُهَا إلَى النِّسَاءِ أَلْيَقُ ... لِأَنَّهُنَّ فِي الْأُمُورِ أَشْفَقُ

وَكَوْنُهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ ... شَرْطٌ لَهُنَّ وَذَوَاتُ مَحْرَمِ

يَعْنِي أَنَّ صَرْفَ ٨ الْحَضَانَةِ وَجَعْلَهَا لِلنِّسَاءِ أَلْيَقُ مِنْ جَعْلِهَا لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقِيَامُ بِمُؤْنَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَلْقٌ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ لِحَضَانَتِهِ مَنْ هُوَ فِي طَبْعِهِ أَشْفَقُ عَلَى الْمَحْضُونِ وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الثَّانِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنَةِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ رَحِمِ الْمَحْضُونِ، الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ.

(قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ) قَاعِدَةً يُقَدِّمُ الشَّرْعُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْوِلَايَةِ فَفِي الْحَرْبِ مَنْ هُوَ شُجَاعٌ مُجَرَّبٌ لِيَسُوسَ الْجُيُوشَ، وَفِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ فَقِيهٌ مُتَوَفِّرُ الدِّينِ وَالْعَزْمِ وَالْفِرَاسَةِ، وَفِي وِلَايَةِ الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَمَصَارِفِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي آخَرَ فَالْمَرْأَةُ مُؤَخَّرَةٌ فِي الْإِمَامَةِ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحَضَانَةِ لِمَزِيدِ شَفَقَتِهَا وَصَبْرِهَا فَهِيَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَيَسْتَحِقُّ النِّسَاءُ الْحَضَانَةَ بِوَصْفَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْ الْمَحْضُونِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ فَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ كَبِنْتِ الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ حَضَانَةٌ، وَإِنْ كُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مِنْهُ كَالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ بِالصِّهْرِ لَمْ تَكُنْ لَهُنَّ حَضَانَةٌ أَيْضًا. اهـ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا، وَأَمَّا الرِّجَالُ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْحَضَانَةَ بِمُجَرَّدِ الْوِلَايَةِ كَانُوا مِنْ ذَوِي رَحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ، أَوْ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ كَالْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَالْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَمِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بَعْضَ شُرُوطِ الْحَاضِنِ إنْ كَانَ امْرَأَةً، وَيَأْتِي بَعْضُ شُرُوطِهِ إنْ كَانَ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً فِي قَوْلِهِ

وَشَرْطُهَا الصِّحَّةُ وَالصِّيَانَةُ

الْبَيْتَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ.

وَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَالْأَنْسَبُ جَمْعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَهِيَ إلَى الِاثِّغَارِ فِي الذُّكُورِ ... وَالِاحْتِلَامُ الْحَدُّ فِي الْمَشْهُورِ

وَفِي الْإِنَاثِ لِلدُّخُولِ الْمُنْتَهَى ... وَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا

فَأُمُّهَا فَخَالَةٌ فَأُمُّ الْأَبْ ... ثُمَّ أَبٌ فَأُمُّ مَنْ لَهُ انْتَسَبْ

فَالْأُخْتُ فَالْعَمَّةُ فَابْنَةُ الَأَخْ ... فَابْنَةُ أُخْتٍ فَأَخٌ بَعْدُ رَسَخْ

وَالْعَصَبَاتُ بَعْدُ وَالْوَصِيُّ ... أَحَقُّ وَالسِّنُّ بِهَا مَرْعِيُّ

يَعْنِي أَنَّ حَدَّ الْحَضَانَةِ فِي الذَّكَرِ إلَى الِاحْتِلَامِ، أَيْ الْبُلُوغِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ إلَى الِاثِّغَارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُصْعَبٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَتَنْتَهِي إلَى دُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ تَرْتِيبَ الْحَاضِنَاتِ إذَا تَعَدَّدْنَ فَذَكَرَ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى، ثُمَّ أُمُّهَا وَهِيَ جَدَّةُ الْمَحْضُونِ، ثُمَّ أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ وَهِيَ جَدَّةُ أُمِّهِ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أُمُّ الْجَدِّ وَهِيَ الْمُرَادُ بِمَنْ لَهُ انْتَسَبَ، أَيْ مَنْ انْتَسَبَ الْأَبُ لَهُ وَهُوَ الْجَدُّ، ثُمَّ الْأُخْتُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ، ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ، ثُمَّ الْأَخُ، ثُمَّ الْوَصِيُّ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ وَلِهَذَا قَالَ وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ، أَيْ مِنْ الْعَصَبَةِ وَإِذَا تَعَدَّدَ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَكْبَرُ سِنًّا مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ قَالَ وَالسِّنُّ بِهَا مَرْعِيٌّ، وَكَذَلِكَ إذَا تَعَدَّدْنَ بِوُجُودِ الشَّقِيقِ وَاَلَّذِي لِلْأُمِّ وَاَلَّذِي لِلْأَبِ قُدِّمَ الشَّقِيقُ، ثُمَّ الَّذِي لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَنَانَ وَالشَّفَقَةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي لِلْأَبِ وَيُقَدَّمُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ وَالشَّفَقَةِ.

(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَمَدِ حَضَانَةِ الذُّكْرَانِ مِنْ الْبَنِينَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلِاحْتِلَامِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَحْتَلِمُ الْغُلَامُ صَحِيحُ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي مُصْعَبٍ الِاثِّغَارُ فِي رِوَايَةِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَحَضَانَةُ الْغِلْمَانِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَحَضَانَةُ النِّسَاءِ حَتَّى يُنْكَحْنَ وَيَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ.

(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ أَحَقُّ وَإِنْ بَعُدَتْ بَعْدَ الْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ، وَقَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، تَارَةً يَنْفَرِدُ النِّسَاءُ، وَتَارَةً يَنْفَرِدُ الرِّجَالُ، وَتَارَةً يَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>