للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَزَّلَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَنَزَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ فَسَادِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ مَعًا عَلَى الشَّرْطِ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ، وَنَزَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ جَوَازِهِمَا عَلَى الشَّرْطِ الْحَلَالِ الَّذِي لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الثَّمَنِ.

وَنَزَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. (ابْنُ رُشْدٍ) رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ قَدِمْتُ مَكَّةَ فَوَجَدْت فِيهَا أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَابْنَ شُبْرُمَةَ فَقُلْتُ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا وَاشْتَرَطَ شَيْئًا فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَتَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَأُعْتِقَهَا، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا قَالَ «جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةً وَشَرَطَ لِي حِلَابَهَا وَظَهْرَهَا إلَى الْمَدِينَةِ» : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ. فَعَرَفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا فَاسْتَعْمَلَهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَتَأَوَّلَهَا عَلَى وُجُوهِهَا، وَلَمْ يُمْعِنْ غَيْرُهُ النَّظَرَ، وَلَا أَحْسَنَ تَأْوِيلَ الْأَثَرِ اهـ.

وَإِلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَشَارَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ

بَيْعُ الشُّرُوطِ الْحَنَفِيُّ حَرَّمَهْ ... وَجَابِرٌ سَوَّغَ لِابْنِ شبرمة

وَفُصِّلَتْ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَمَهْ ... وَمَالِكٌ إلَى الثَّلَاثِ قَسَّمَهْ

وَمُرَادُهُ بِالتَّفْصِيلِ: جَوَازُ الْبَيْعِ.

وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ جَوَازُهُمَا، أَوْ بُطْلَانُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ: بَرِيرَةُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَمَالِكٌ إلَى الثَّلَاثِ قَسَّمَهْ " أَنَّ مَالِكًا قَسَّمَ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ " إلَى الثَّلَاثِ " لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودُ، الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ: قِسْمٌ يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ مَعًا وَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ حَلَالًا وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الثَّمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِسْمٌ يَبْطُلَانِ مَعًا وَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا، أَوْ حَلَالًا وَأَثَّرَ فِي الثَّمَنِ.

وَقِسْمٌ يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ وَذَلِكَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، فَلَيْسَ مَوْضُوعُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاحِدًا حَتَّى يَكُونَ خِلَافًا حَقِيقَةً، بَلْ مَوْضُوعُ كُلِّ قَوْلٍ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَوْضُوعِ كُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَبْلَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُعْتِقَ حَتَّى يُعْطِيَ الثَّمَنَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ إعْطَاؤُهُ الثَّمَنَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ (قُلْت) : وَلَعَلَّ هَذِهِ فِي الْأُصُولِ فَقَطْ، أَوْ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا إذَا وَضَعَ الْمَبِيعَ عِنْدَ أَمِينٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ

وَشَرْطُ إبْقَاءِ الْمَبِيعِ فِي الثَّمَنْ

رَهْنًا الْبَيْتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ كَالرَّهْنِ.

وَهُوَ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ لِلنَّاظِمِ (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ لَهُ دَارَانِ بَاعَ إحْدَاهُمَا، وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَرْفَعَ عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُظْلِمَ عَلَيْهِ دَارِهِ وَيَمْنَعَ مِنْ دُخُولِ الشَّمْسِ فِيهَا فَالْتَزَمَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ لَازِمٌ. اهـ.

وَجَمْعُ بَيْعٍ مَعَ شِرْكَةٍ وَمَعْ ... صَرْفٍ وَجُعْلٍ وَنِكَاحٍ امْتَنَعْ

وَمَعْ مُسَاقَاةٍ وَمَعْ قِرَاضِ ... وَأَشْهَبُ الْجَوَازُ عَنْهُ مَاضِ

يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَنَسَبَهُ الشَّارِحُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ السِّتِّ الَّتِي أَوَّلُهَا الشَّرِكَةُ وَآخِرُهَا الْقِرَاضُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْقَرَافِيِّ مَنْعَ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السِّتِّ، وَبَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ الْقَرْضُ، أَيْ السَّلَفُ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْبَيْعِ وَكَمَا لَا يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ بِزِيَادَةِ الْقَرْضِ فَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>