وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْيَاتُ السِّتُّ هُوَ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا النَّظْمِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ مَا عَدَا كَوْنِ الثِّمَارِ الْمَأْبُورَةِ لِلْبَائِعِ، وَغَيْرِ الْمَأْبُورَةِ لِلْمُشْتَرِي
وَالْمَاءُ إنْ كَانَ يَزِيدُ وَيَقِلْ ... فَبَيْعُهُ لِجَهْلِهِ لَيْسَ يَحِلْ
(قَالَ الشَّارِحُ) إنْ كَانَ الْمَاءُ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُهُ الضَّبْطُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لِلْجَهْلِ بِهِ (فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الشِّرْبُ يَقِلُّ مَاؤُهُ مَرَّةً وَيَكْثُرُ أُخْرَى وَلَا يُوقَفُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ غَرَرٌ، وَلَا يَجُوزُ. قَالَ وَأَخْذُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى إطْلَاقِهِ مِمَّا يُشْكِلُ مَعَهُ بَيْعُ شُرُوبِ مَوَاضِعَ سَمَّاهَا قَالَ؛ لِأَنَّهَا تَقِلُّ فِي السِّنِينَ الْجَدْبَةِ، وَتَكْثُرُ فِي السِّنِينَ الْمَطِرَةِ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا لِارْتِبَاطِهَا بِمَا أَجْرَى اللَّهُ مِنْ الْعَادَةِ فِيهَا، فَالْمُتَعَاقِدَانِ يَعْلَمَانِ ذَلِكَ وَيَدْخُلَانِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْغَرَرِ الْمُغْتَفَرِ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ، وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهَا غَلَّةٌ فِي بَعْضِ السِّنِينَ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْبَيْتِ وَمَا اُسْتُظْهِرَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ عَلَى مَا جَهِلَ الْمُتَعَاقِدَانِ مُعَاقَلَتَهُ وَكَثْرَتَهُ، وَتَكُونُ مِنْ التَّلَوُّنِ بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُهَا الضَّبْطُ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ لِمَنْ يَمْلِكُهُ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، بَلْ يَسْقِي بِهِ، فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ تَرَكَهُ لِغَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ " وَجَهْلٌ بِمَثْمُونٍ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَرْطُ إبْقَاءِ الْمَبِيعِ فِي الثَّمَنْ ... رَهْنًا سِوَى الْأُصُولِ بِالْمَنْعِ اقْتَرَنْ
وَقِيلَ بِالْجَوَازِ مَهْمَا اتَّفَقَا ... فِي وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا
يَعْنِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَبْقَى الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ إلَّا فِي الْأُصُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَاهُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُطْلَقًا، أَيْ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ، إنْ كَانَ فِي الْأُصُولِ فَهُوَ جَائِزٌ.
وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَقَوْلَانِ: الْمَنْعُ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ الْأَمِينِ، وَالْجَوَازُ عِنْدَ أَمِينٍ، وَظَاهِرُ النُّقُولِ الْآتِيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مَحَلُّهُ إذَا بَقِيَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَاهُ عِنْدَ أَمِينٍ فَلَيْسَ إلَّا الْجَوَازُ، فَلَيْسَ إذَنْ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ بِالتَّفْصِيلِ: الْجَوَازُ إنْ وُضِعَ بِيَدِ أَمِينٍ، وَالْمَنْعُ إنْ وُضِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ (قَالَ ابْنُ حَارِثٍ) فِي أُصُولِ الْفُتْيَا وَإِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ حَبْسَهُ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى عَلَى أَلَّا يُقْبَضَ إلَّا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، مِثْلُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ يَشْتَرِطُ الْبَائِعُ سُكْنَاهَا إلَى أَجَلٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ.
وَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ جَازَ ذَلِكَ وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ تَبْقَى الدَّابَّةُ بِيَدِهِ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ إلَى أَجَلِهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، وَالْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ مَفْسُوخٌ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَيَوَانِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُرُوضِ.
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ عَلَى أَنْ تُقْبَضَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ وُضِعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهَا عِنْدَ بَائِعِهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا اهـ. عَنْ نَقْلِ الشَّارِحِ، وَانْظُرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute