للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» فَمَنْ بَاعَ شَجَرًا فِيهَا ثِمَارٌ، أَوْ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الثِّمَارِ وَلَا عَلَى الزَّرْعِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مَأْبُورًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ كُلَّهُ.

وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُ بَعْضِ مَا أُبِرَ وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُنْقَضَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ نِصْفَ الزَّرْعِ، أَوْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَسَدَتْ الصَّفْقَةُ، وَفُسِخَ الْبَيْعُ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي اشْتِرَاطِ بَعْضِهِ قَاصِدٌ لِابْتِيَاعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ. اهـ.

وَمَا لَمْ يُؤْبَرْ مِنْهَا فَإِنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَسْبَمَا أَحْكَمَتْهُ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهَا تَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا أُبِرَتْ» ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ إذَا لَمْ تُؤْبَرْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ جَنِينَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ

وَغَيْرُ مَا أُبِرَ لِلْمُبْتَاعِ

الْبَيْتَيْنِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ دَاخِلَةٌ فِي مِلْكِ الْمُبْتَاعِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِثْنَاءِ الْبَائِعِ لَهَا قَبْلَ الْإِبَارِ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ.

(قَالَ الشَّارِحُ) وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى، وَهُوَ أَشْكَلُهُمَا لَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ كَوْنِهِ مُبْقًى وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ " قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِرَ بَعْضُهَا، وَلَمْ يُؤَبَّرْ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ وَيَجْعَلُ الْقَلِيلَ تَابِعًا لَهُ، إنْ كَانَ أَكْثَرَهَا فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُؤْبَرْ أَكْثَرَهَا فَالثَّمَرُ لِلْمُبْتَاعِ.

(قَالَ مَالِكٌ) : كُلُّ ثَمَرَةٍ لَمْ تُؤْبَرْ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَحَدُّ الْإِبَارِ فِي الثِّمَارِ: عَقْدُهَا، وَفِي الزَّرْعِ: إدْرَاكُ الْأَبْصَارِ إيَّاهُ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الْإِبَارُ

الْبَيْتُ (الْمُتَيْطِيُّ) شَرْحُ

الْإِبَارِ هُوَ فِي النَّخْلِ: تَذْكِيرُهُ بَعْدَ تَلْقِيحِهِ، وَفِي سَائِرِ الشَّجَرِ الْعَقْدُ، وَثُبُوتُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ بَعْدَ سُقُوطِ مَا يَسْقُطُ، وَنَبَاتُ الزَّرْعِ هُوَ كَإِبَارِ النَّخْلِ فِي الْحُكْمِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ الْقَضَاءُ. (وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُفِيدِهِ) : وَإِبَارُ الزَّرْعِ هُوَ: خُرُوجُهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِبَارِ النَّخْلِ: التَّذْكِيرُ، وَإِبَارِ الْعِنَبِ وَالثَّمَرِ: الْعَقْدُ

قَوْلُهُ

كَذَا قَلِيبُ الْأَرْضِ لِلْمُبْتَاعِ

لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الثِّمَارَ غَيْرَ الْمَأْبُورَةِ يَتَنَاوَلُهَا عَقْدُ الْبَيْعِ اسْتَطْرَدَ قَلِيبَ الْأَرْضِ وَذَكَرَ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُ أَيْضًا. (قَالَ الشَّارِحُ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) " وَإِنْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ أَرْضٌ مَقْلُوبَةٌ فَالْقَلِيبُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ " قَالَهُ حُدَيْسٌ وَغَيْرُهُ وَبِهِ الْفَتْوَى صَحَّ مِنْ وَثَائِقِ ابْنِ مُغِيثٍ (قَالَ الشَّارِحُ) أَلَمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ مُسَمَّى الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، وَمَا يَنْدَرِجُ فِي مُسَمَّاهُ، وَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُنْدَرِجًا فِي الْمَبِيعِ انْدِرَاجًا حِسِّيًّا، أَوْ مَعْنَوِيًّا بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ انْفِصَالُهُ مِنْهُ، أَوْ يَبْعُدُ كَالزَّرْعِ غَيْرِ الْمَأْبُورِ مَعَ الْأَرْضِ وَقَلِيبِهَا، وَكَالشَّجَرِ مَعًا وَالثِّمَارِ غَيْرِ الْمَأْبُورَةِ مَعَ الشَّجَرِ.

ثُمَّ قَالَ فَهَذَا الْقِسْمُ مِمَّا يَدْخُلُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ فَانْظُرْ كَيْفَ جُعِلَ الْقَلِيبُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَالْمَسَائِلُ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا هَلْ يَتَنَاوَلُهَا عَقْدُ الْبَيْعِ، أَوْ لَا؟ هِيَ مَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ وَانْفِصَالُهُ عَنْ الْبَيْعِ؛ إمَّا فِي الْحَالِ، كَالسَّلَمِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي الْمَآلِ كَالزَّرْعِ، وَالثِّمَارِ غَيْرِ الْمَأْبُورَيْنِ فَإِنَّهُمَا بَعْدَ الْإِبَارِ يُرِيدُ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَا لَهُ، وَأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا مَعًا، وَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُمَا لِنَفْسِهِ لِدُخُولِهِمَا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَمَا لَا.

أَمَّا قَلِيبُ الْأَرْضِ إنْ عَنَوْا بِهِ حَرْثَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهُ حَالًا وَمَآلًا، حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ فَبَقِيَ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ بَنَى فِي دَارِهِ، أَوْ صَلَّحَ فِيهَا، ثُمَّ بَاعَهَا أَيُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِصْلَاحَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ يُمْكِنُ قَلْعُهُ وَأَخْذُ أَنْقَاضِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْقَلِيبُ؟ هَذَا مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيَّ وَلَمْ أَفْهَمْ عَدَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا عَقْدُ الْبَيْعِ، وَأَنْ لَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِالْقَلِيبِ الْبِئْرَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا بِئْرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا عَقْدُ الْبَيْعِ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهَا كَتَنَاوُلِ الْأَرْضِ لِلْأَشْجَارِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَرُبَّمَا رَشَّحَهُ التَّعْبِيرُ بِالْقَلِيبِ دُونَ الْقَلْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>