للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَرُّرِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَقَصْدِ الصُّلْحِ عَنْهُ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ هِبَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَعَ حُضُورٍ مِنْ الْبَيْتِ إلَى بَعْضِ شُرُوطِ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ. وَذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةً: حُضُورُ الْمَدِينِ، وَإِقْرَارُهُ، وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ الْغَرْنَاطِيِّ ثَلَاثَةٌ أُخَرُ: أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنُ طَعَامًا بِعَرَضٍ، وَأَنْ يُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُبْتَاعُ عَدُوًّا لِلْغَرِيمِ

(الْبُرْزُلِيُّ) . وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عُرُوضًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبْقِيَ مِثْلَ أَجَلِ السَّلَمِ مِنْ أَجَلِهِ أَوْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ ذَلِكَ؟ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: مُقَيَّدٌ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ، وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ شُرُوطَ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ، عَلَى مَا ذَكَرَ الْغَرْنَاطِيُّ فَقُلْتُ:

شُرُوطُ بَيْعِ الدَّيْنِ سِتَّةٌ تُرَى ... حُضُورُ مِدْيَانٍ وَإِقْرَارٌ يُرَى

وَبَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسٍ وَنَقَدْ ... ثَمَنُهُ وَلَا عَدَاوَةَ يُرَدْ

وَلَيْسَ ذَا الدَّيْنُ طَعَامًا وَاخْتُلِفْ ... فِي أَجَلِ السَّلَمِ إنْ عَرْضًا وُصِفْ

أَيْ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَرَضًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ زِدْتَ عَلَى شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ مَسْأَلَتَيْنِ فَقُلْتُ فِيهِمَا:

وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِ الْحُلُولُ ... إلَّا بِصَرْفٍ شَرْطُهُ مَقُولُ

فِي كَوْنِ ذَا الْمَدِينِ أَوْلَى بِاَلَّذِي ... بِيعَ بِهِ أَوْ لَا خِلَافَ فَاحْتَذِي

(فَائِدَةٌ) مِنْ صُوَرِ بَيْعِ الدَّيْنِ - الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ - الْمَسْأَلَة الْمُلَقَّبَةِ - عِنْدَ الْعَامَّةِ - بِقَلْبِ الرَّهْنِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الْإِنْسَانِ رَهْنٌ فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى دَيْنِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ فَيَبِيعُ ذَلِكَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ، كَمَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ؛ فَيَبِيعُهُ بِسِلْعَةٍ نَقْدًا، مَعَ اعْتِبَارِ بَقِيَّةِ شُرُوطِ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَيَحِلُّ الْمُشْتَرِي لِلدَّيْنِ الْمَذْكُورِ مَحَلَّ بَائِعِهِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ لَا فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْفَعَةِ وَإِنْ جُعِلَتْ لَهُ، وَالْبَيْعُ لِلرَّهْنِ بِالتَّفْوِيضِ الَّذِي جُعِلَ لِلْمُرْتَهِنِ الْبَائِعِ لِلدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُكْتَبُ فِي ذَلِكَ فِي ظَهْرِ وَثِيقَةِ الدَّيْنِ أَوْ طَرَفِهَا: اشْتَرَى فُلَانٌ جَمِيعَ الدَّيْنِ أَعْلَاهُ، أَوْ بِمُحَوَّلِهِ بِكَذَا وَكَذَا، وَقَبَضَ الْبَائِعُ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ الثَّمَنِ مُعَايَنَةً، أَوْ بِاعْتِرَافِهِ بَعْدَ التَّقْلِيبِ وَالرِّضَا كَمَا يَجِبُ، وَأَبْرَأَ الْمُشْتَرِي مِنْ جَمِيعِهِ. فَبَرِئَ، وَأَحَلَّهُ مَحَلَّهُ فِي الرَّهْنِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْجَوَازِ لَهُ وَالتَّفْوِيضِ، وَتَمَلَّكَ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ مُشْتَرَاهُ تَمَلُّكًا تَامًّا، عَلَى السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ وَالْمَرْجِعُ بِالدَّرْكِ عُرْفًا قَدْرُهُ إلَى آخِرِ الْوَثِيقَةِ

وَهَذَا مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى دُخُولِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي وَقْتِنَا، إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِشِرَاءِ الدَّيْنِ غَالِبًا، وَلِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ رَهْنَهُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي الْمَدِينِ، أَوْ يَجْعَلَهُ بِيَدِ رَجُلٍ غَيْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ لَمْ تُشْتَرَطْ مَنْفَعَتُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ اشْتَرَطَ الْمَنْفَعَةَ، وَبَاعَ الدَّيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ مَعًا - كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ كَثِيرًا - فَلَا خِيَارَ لِلرَّاهِنِ، إلَّا إذَا لَحِقَهُ ضَرَرٌ؛ فَيُزَالُ الضَّرَرُ، وَيُكْرِي ذَلِكَ لِغَيْرِ مُشْتَرِي الدَّيْنِ، وَالْكِرَاءُ لِمُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِمُشْتَرِطِهَا وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِهِ لَمْ يَدْخُلْ، وَيَبْقَى الرَّهْنُ بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَأَمَّا إنْ بِيعَ الدَّيْنُ وَسَكَتَ عَنْ الرَّهْنِ، فَلَا يَشْمَلُهُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، وَالتَّوَثُّقُ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَكٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَالِ الْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِهِ؛ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ بِرِضَاهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ هَلْ وَقْعَ عَلَى دُخُولِ الرَّهْنِ أَوْ لَا؟ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ. كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا هَلْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ لَا؟

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْحَمِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ دُخُولَهُ فَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُ، وَإِقْرَارُهُ بِالْحِمَالَةِ، لِئَلَّا يَصِيرَ مِنْ شِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ. اُنْظُرْ الْحَطَّابَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ: وَحَاضِرٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَمَعَ كَوْنِ الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، وَبِرَهْنٍ يُسَاوِي الدَّيْنَ وَأَكْثَرَ، وَهُوَ مَحُوزٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَدِينِ، وَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>