عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ. وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ شِرَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ فِي نَوَازِلِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ (فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ) أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ يُجِيزُ شِرَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ، إذَا كَانَ عَلَى الدَّيْنِ بَيِّنَةٌ نَقَلَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ، أَوَّلَ الْكُرَّاسِ السَّابِعِ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْبُيُوعِ، فِي سُؤَالِ نَازِلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ.
وَفِي السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وَجَوَابِهِ طُولٌ حَذَفْتُهُ اخْتِصَارًا. قَالَ الْقَبَّابُ الْمَذْكُورُ أَوَّلَ الْجَوَابِ: " أَمَّا مَنْ يُجِيزُ بَيْعَ الدَّيْنِ عَلَى غَائِبٍ بِغَيْرِ رَهْنٍ، فَلَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مَعَ الرَّهْنِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ " لَكِنَّهَا كُلَّهَا أَقْوَالٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِ الْأَحْكَامِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي الرِّهَانِ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْمَدِينِ، وَلَعَلَّهُ ارْتِكَابًا لِمُقَابِلِ الْمَشْهُورِ؛ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ مَعَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَحِيَازَةِ الرَّهْنِ (فَرْعٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى الْمَدِينِ وَتَعْنِيَتِهِ، وَأَمَّا إنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ؛ فَيُمْنَعُ وَيُرَدُّ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَهَلْ يَكْفِي فِي مَنْعِ ذَلِكَ وَفَسْخِهِ قَصْدُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ الْإِضْرَارَ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِقَصْدِ الْمُشْتَرِي الضَّرَرَ؟ وَإِلَّا لَمْ يُفْسَخْ بَلْ يُبَاعُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَرْتَفِعُ الضَّرَرُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي مَسْأَلَةِ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ.
(فَرْعٌ) إذَا بِيعَ الدَّيْنُ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَحَقَّ بِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: " وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ " وَعَنْ مَالِكٍ: أَرَاهُ حَسَنًا وَمَا أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَقْضِي بِهِ اهـ. وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ مِنْ شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ
وَفِي طَعَامٍ إنْ يَكُنْ مِنْ قَرْضِ ... يَجُوزُ الِابْتِيَاعُ قَبْلَ الْقَبْضِ
هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الدَّيْنِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ، تَرَتَّبَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ سَلَفِ إحْسَانٍ تَوْسِعَةٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى تَقَدَّمَ دُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ
وَالْبَيْعُ لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ ... مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرْضٍ
وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ، وَفِي الرِّسَالَةِ " وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى "
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) جَائِزٌ لِمَنْ أَقْرَضَ طَعَامًا أَوْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ، أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ النَّاظِمُ هُنَا، اتِّكَالًا مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: " قَبْلَ هَذَا يَلِي هُوَ تَعْجِيلَ الثَّمَنِ "، وَهَذَا يَعْنِي تَعْجِيلَ الثَّمَنِ شَرْطٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ مُطْلَقًا، طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ
وَالِاقْتِضَاءُ لِلدُّيُونِ مُخْتَلِفْ ... وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ
وَالْمِثْلُ مَطْلُوبٌ وَذُو اعْتِبَارِ ... فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ
وَالْعَيْنُ فِيهِ مَعَ بُلُوغٍ أَجَلَا ... صَرْفٌ وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عَجِلَا
وَغَيْرُ عَيْنٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ ... خُذْ فِيهِ مِنْ مُعَجِّلٍ مَا تَصْطَفِي
وَإِنْ يَكُنْ مِنْ سَلَمٍ بَعْدَ الْأَمَدْ ... فَالْوَصْفُ فِيهِ السَّمْحُ جَائِزٌ فُقِدْ
الِاقْتِضَاءُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ فِي الْعُرْفِ: قَبْضُ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْقَابِضِ فَقَوْلُهُ: " غَيْرُ الْقَابِضِ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُقَاصَّةَ؛ لِأَنَّهَا قَبْضٌ وَقَوْلُهُ: " مَا فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ " وَقَوْلُهُ: " مَا فِي ذِمَّةِ. . . إلَخْ " يَعْنِي أَنَّ الِاقْتِضَاءَ هُوَ: أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى الْمَدِينِ ذَهَبٌ، فَيُعْطِيكَ