للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَالُّ يَشْمَلُ الْحَالَّ ابْتِدَاءً، وَمَا حَلَّ أَجَلُهُ وَقْتَ الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ ثُمَّ الْقَضَاءُ، فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّمَانِيَةِ إمَّا بِمِثْلِ الدَّيْنِ جِنْسًا وَصِفَةً وَمِقْدَارًا، وَإِمَّا بِأَقَلَّ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، وَإِمَّا بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَيْضًا فِيهِمَا، فَإِذَا ضُرِبَتْ أَحْوَالُ الْقَضَاءِ الثَّلَاثَةُ فِي الْأَوْجُهِ الثَّمَانِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، بَلَغَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ صُورَةً، هَذَا بَيَانُ عَدَدِ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، فِيمَا بَيْنَ جَائِزٍ وَمَمْنُوعٍ.

وَأَمَّا بَيَانُ الْجَائِزِ مِنْ غَيْرِهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ؛ فَالصُّوَرُ ثَمَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ الدَّيْنَ إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ غَيْرَ حَالٍّ، وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ، وَتَدْخُلُ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: " وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ "، ثُمَّ قَالَ " وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ ". فَيَدْخُلُ فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، كَوْنُ الدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، إمَّا حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَحِلَّ، وَيَدْخُلُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَرْبَعُ صُوَرٍ كَذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ (كَمَا هُوَ الْفَرْضُ) فَلَا فَرْقَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، وَإِنْ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا؛ جَازَتْ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَهِيَ كَوْنُ الدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، إمَّا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ، وَذَلِكَ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ وَتَدْخُلُ هَذِهِ الْأَرْبَعُ فِي قَوْلِ (الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ حَالٍّ، مُنِعَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ، وَتَعَجَّلَ الْمُؤَدِّي إلَى سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ مُسَلَّفٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَقَدْ سُلِّفَ حَيْثُ عُجِّلَ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَانْتَفَعَ بِدَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، أَوْ أَرْدَأَ عَنْ أَفْضَلَ، وَتَخْرُجُ هَذِهِ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ الْمَمْنُوعَةُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: "

وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحِلَّ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً؛ فَالصُّوَرُ ثَمَانٍ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا مِنْ بَيْعٍ جَازَ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً، حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: " وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ ". كَذَلِكَ وَجَازَ بِأَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا مِنْ بَيْعٍ أَيْضًا، جَازَ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ وَأَفْضَلَ صِفَةً إنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ حُلُولِهِ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ: " وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِهِ فَقَطْ ". إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ بَعْدَ زَمَانِهِ، أَيْ بَعْدَ حُلُولِهِ يَجُوزُ بِأَكْثَرَ وَبِأَفْضَلَ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ - عَيْنٌ مِنْ بَيْعٍ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، عَرَضٌ مِنْ بَيْعٍ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ؛ لَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ قَدْرًا عَرَضًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ عَيْنًا، حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَهَذِهِ أَرْبَعٌ أَيْضًا، وَإِلَيْهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: " لَا أَزِيدُ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا " وَيَجُوزُ بِأَفْضَلَ صِفَةً وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ: " وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ أَفْضَلُ صِفَةً ".

وَالنَّاظِمُ قَسَّمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى الِاقْتِضَاءِ، قَبْلَ الْأَجَلُ، وَإِلَى الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ الْأَجَلِ، ثُمَّ نَوَّعَ مَا بَعْدَ الْأَجَلِ إلَى كَوْنِ الدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، ثُمَّ نَوَّعَ الْعَرَضَ إلَى كَوْنِهِ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ، وَتَقْسِيمُهُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ. أَوَّلًا، لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُقْتَضَى قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا، وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ تَرَتَّبَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ يَقَعَ الِاقْتِضَاءُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ صِفَةً مِقْدَارًا، أَوْ بِأَكْثَرَ قَدْرًا أَوْ أَفْضَلَ صِفَةً، أَوْ بِأَقَلَّ قَدْرًا وَصِفَةً، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً قَبْلَ الْأَجَلِ وَيُتَصَوَّرُ مِثْلُهَا بَعْدَ الْأَجَلِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الِاقْتِضَاءِ الْحَقِيقِيِّ، الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَالنَّاظِمُ تَكَلَّمَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَبَيْعِ الدَّيْنِ - كَمَا بَيَّنَّاهُ أَوَّلَ شَرْحِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ - وَصَرَّحَ بِجَوَازِ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَبِجَوَازِ أَرْبَعِ صُوَرٍ مِنْ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ بَعْدَ الْأَجَلِ، كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ النَّظْمِ:

وَإِذْ فَرَغْنَا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ؛ فَلْنَرْجِعْ الْآنَ إلَى أَلْفَاظِ النَّظْمِ فَقَوْلُهُ:

وَالِاقْتِضَاءُ لِلدُّيُونِ مُخْتَلِفْ

الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ اقْتِضَاءَ الدُّيُونِ مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُ، فَمِنْهُ جَائِزٌ، وَمِنْهُ مَمْنُوعٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مُخْتَلِفٌ وَصْفُهُ، فَمِنْهُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ، وَمِنْهُ بِأَقَلَّ، وَمِنْهُ بِأَكْثَرَ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، أَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ هُوَ الْحُكْمُ حَيْثُ قَالَ:

وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ

وَهُوَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: " مُخْتَلِفْ " فَالْمُخْتَلِفُ إذًا هُوَ الْحُكْمُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ إنْ كَانَ مُمَاثِلًا لِلْمُقْتَضَى عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ، جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ قَدْرًا أَوْ صِفَةً أَوْ بِأَفْضَلَ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، فَفِيهِ مَا هُوَ جَائِزٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>