للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَفْظَةُ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ فَمَا يَكُونَانِ مَوْصُولَةٌ، صِفَةٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَالْوَجْهُ الَّذِي يَكُونُ الدَّيْنَانِ فِيهِ عَيْنًا، وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلدَّيْنَيْنِ، وَبَاءُ بِهِ ظَرْفِيَّةٌ، وَضَمِيرُهَا يَعُودُ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ مَا وَإِلَى مُمَاثِلٍ يَتَعَلَّقُ " بِفُصِّلَ "، وَجُمْلَةُ فُصِّلَا خَبَرُ مَا وَنَائِبُهَا لِلْعَائِدِ عَلَى مَا هُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ، أَوْ ذِي عُطِفَ عَلَى مُمَاثِلٍ، " وَمَا " أَوَّلَ الْبَيْتِ الثَّانِي مَوْصُولَةٌ أَيْضًا كَالْأَوَّلِ، " وَاخْتِلَافٌ " فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ، " عَمَّهْ "، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَحُلُولٌ عَمَّهْ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُمَّهُمَا الْحُلُولُ، بِأَنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَالًّا، وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَجُوزُ وَهُوَ كَذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الدَّيْنَيْنِ مَعًا عَيْنًا، كَذَهَبٍ وَذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَفِضَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَحِلَّ الْآخَرُ، فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الْمُقَاصَّةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ ... مَا كَانَ أَشْهَبُ بِمَنْعٍ قَائِلُ

وَمَفْهُومُ نِسْبَةِ الْمَنْعِ لِأَشْهَبَ، أَنَّ غَيْرَهُ وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ، وَلَفْظَةُ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ مَا كَانَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، أَيْ إذَا لَمْ يَحِلَّا مَعًا فَالْمَنْعُ لِأَشْهَبَ كَيْفَ كَانَ التَّأْخِيرُ، أَيْ اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ أَوْ اخْتَلَفَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي تَأَخُّرٍ أَنَّهُ حَيْثُ لَا تَأَخُّرَ، وَذَلِكَ إذَا حَلَّا مَعًا، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَفِي اللَّذَيْنِ فِي الْحُلُولِ اتَّفَقَا ... عَلَى جَوَازِ الِانْتِصَافِ اُتُّفِقَا

وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ

وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ

وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُ النَّاظِمِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعَةِ - بِالنَّظَرِ إلَى ظَاهِرِهِ - عَلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ مِنْ دَيْنِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَيْنَيْنِ إمَّا مُخْتَلِفَانِ، كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، أَوْ مُتَّفِقَانِ كَذَهَبٍ وَذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَفِضَّةٍ، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا حَالَّانِ، أَوْ غَيْرُ حَالَّيْنِ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَقَدْ أَشَارَ بِهَا إلَى قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ عَيْنًا، فَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرَ وَمَالُ الْآخَرِ دَرَاهِمَ، فَلَا تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ مَعًا؛ لِيَكُونَ صَرْفَ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَا مُؤَخَّرَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَا تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَإِلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَإِنْ كَانَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَا حَالَّيْنِ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَا مُؤَخَّرَيْنِ إلَى أَجَلَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهَا أَشْهَبُ اهـ.

وَإِلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَفِي تَأَخُّرِ الَّذِي يُمَاثِلُ

الْبَيْتَيْنِ، هَذَا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ فَالْمَقْصُودُ الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ دَيْنِ الْعَيْنِ، فَيَكُونُ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى صُوَرِ النَّقْدِ السِّتِّ وَالثَّلَاثِينَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْهَا، وَتِسْعٌ فِي الْمُتَّفِقَيْنِ؛ لِأَنَّ دَيْنَيْ الْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْقَدْرِ، كَدِينَارٍ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ، وَدِينَارَيْنِ اثْنَيْنِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ، أَوْ يَخْتَلِفَا فِي الصِّفَةِ، كَدَرَاهِمَ مُحَمَّدِيَّةٍ وَأُخْرَى يَزِيدِيَّةٍ، أَوْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْسِ كَدِينَارٍ وَدَرَاهِم فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَوْجُهٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ.

فَهَذِهِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا، فَالْمُخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ كَدِينَارٍ فِي مُقَابَلَةِ دِينَارَيْنِ، الْمُقَاصَّةُ فِيهَا مَمْنُوعَةٌ، كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرَ مِنْ قَرْضٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ إمَّا حَالَّانِ أَوْ مُؤَجَّلَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، الْمَجْمُوعُ تِسْعُ صُوَرٍ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَانِ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ حَلَّا جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّا أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، لَمْ تَجُزْ وَفِي ذَلِكَ ثَمَانِ عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ، ثَلَاثٌ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ صِفَةً، وَثَلَاثٌ فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا، وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتِّ إمَّا حَالَّانِ أَوْ مُؤَجَّلَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، فَهَذِهِ ثَمَانِ عَشَرَةَ صُورَةً مُضَافَةً إلَى التِّسْعِ قَبْلَهَا، الْمَجْمُوعُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً.

وَأَمَّا الدَّيْنَانِ الْمُتَّفِقَانِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، فَإِمَّا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>