للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ إذَا جَلَسَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَعَرَفَ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِالْكَلَامِ، فَإِنْ ذَكَرَ دَعْوَى صَحِيحَةً لَمْ يَخْتَلَّ فِيهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَإِنْ أَجَابَ بِالْإِقْرَارِ ارْتَفَعَ النِّزَاعُ. وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبُرِّئَ وَتَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ، وَكَلَامُ النَّاظِمِ هُنَا حَيْثُ يَمْتَنِعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِبْ بِإِقْرَارٍ وَلَا بِإِنْكَارٍ فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الْجَوَاب وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ يَعْنِي بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ - قَضَى لِلطَّالِبِ دُونَ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَهُوَ الْمُرْتَضَى عِنْدَ النَّاظِمِ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِعَدَمِ الْيَمِينِ فَقَالَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ ثُمَّ حَكَمَ بِلَا يَمِينٍ. (قَالَ الشَّارِحُ) فَإِنْ أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إبَايَتِهِ بَعْدَ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَقَالَ أَصْبَغُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ. (وَقَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ كِنَانَةَ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ بِيَدِهِ دُورٌ فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الدُّورَ بِحَدِّي فَقَالَ الَّذِي بِيَدِهِ الدُّورُ: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قُلْت، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُتْرَكُ عَلَى ذَلِكَ وَيُجْبَرُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ.

(وَقَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) كُلُّ مَنْ لَا يَدْفَعُ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي يَدِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُوَافَقَةُ مَا صَدَّرَ بِهِ الشَّيْخُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ الْيَمِينِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ اهـ. وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجُمْلَةُ كُلِّفَهُ جَوَابُ مَنْ أَبَى، وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ مَحْذُوفُ الْفَاعِلِ لِلْعِلْمِ بِهِ أَنَّهُ الْقَاضِي وَالنَّائِبُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ أَبَى وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِكُلِّفَ يَعُودُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ كَلَّفَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَإِجْبَارًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مِنْ مَعْنَى كَلَّفَ لَا مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَجْبَرَ الرُّبَاعِيُّ، وَيُقَالُ جَبَرَهُ جَبْرًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ أَيْ أَكْرَهَهُ كَأُجْبِرُهُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ جَوَابُ الْمَطْلُوبِ عَلَى التَّوْقِيفِ: لَا حَقَّ لَهُ عِنْدِي وَلَمْ يَرُدَّ عَلَى ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُقْنَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُقِرَّ بِالسَّلَفِ أَوْ يُنْكِرَهُ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَإِذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَمْرُ الْقَاضِي خَصْمَهُ بِجَوَابِهِ إنْ اسْتَحَقَّتْ الدَّعْوَى جَوَابًا وَإِلَّا فَلَا، كَقَوْلِ الْمُدَّعِي: هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ الشَّهْرِ أَوْ سَمِعَ مَنْ يُعَرِّفُ بِلُقَطَةٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ أَمْرُهُ بِالْجَوَابِ عَلَى طَلَبِ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ لِدَلَالَةِ حَالِ التَّدَاعِي عَلَيْهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) وَظَاهِرُهُ إيجَابُ جَوَابِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: لِي عِنْدَهُ كَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ مِنْ سَلَفٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِنْ أَمْرٍ لَا يُوجِبُ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ كَعِدَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ مِنْ مَالِ أَجْنَبِيٍّ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>