الْمَعْرُوفُ أَوْ لَهُ فِيهِ حَظٌّ. ثُمَّ بَاعَ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ إذَا هَجَمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ وَبَاعَ نَصِيبَهُ، وَنَصِيبَ غَيْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ تَشَاحٌّ وَلَا مُخَاصَمَةٌ وَلَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُ جَبْرِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ.
وَأَمَّا بَعْدَ التَّشَاحِّ فِي الِانْتِقَالِ بِالْمُشْتَرَكِ عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَوُجُودِ أَسْبَابِ الْبَيْعِ عَلَى الشَّرِيكِ، فَإِنَّ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَيْعَ الْجَمِيعِ ثُمَّ يُخَيَّرُ بَقِيَّةُ الشُّرَكَاءِ فِي ضَمِّ صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَيُعْطُونَ لِلْبَائِعِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعُوا وَيَقْبِضُوا الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِبَيْعِ الصَّفْقَةِ، الْمَنْصُوصُ لِلْقُدَمَاءِ أَنَّهُمَا إذَا تَشَاحَّا وَدَعَا أَحَدَهُمَا لِلْبَيْعِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ فَيَبِيعَانِ مَعًا، لَا أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْإِقْدَامَ عَلَى بَيْعِ الْجَمِيعِ. وَلِبَيْعِ الصَّفْقَةِ شُرُوطٌ، وَتُعْرَضُ فِيهِ فُرُوعٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ آخِرَ شَرْحِ لَامِيَةِ الْفَقِيهِ سَيِّدِي عَلِيٍّ الزَّقَّاقِ الْمُسَمَّى " بِفَتْحِ الْعَلِيمِ الْخَلَّاقِ فِي شَرْحِ لَامِيَةِ الْفَقِيهِ الزَّقَّاقِ " وَآخِرَ تَرْجَمَةِ الْبُيُوعِ مِنْ تَذْيِيلِ الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لِلْفَقِيهِ الْمَذْكُورِ
وَغَائِبٍ يَبْلُغُهُ مَا عَمِلَهْ ... وَقَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ لَا شَيْءَ لَهْ
وَغَيْرُ مَنْ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ حَضَرْ ... وَبِالْمَبِيعِ بَائِعٌ لَهُ أَقَرْ
وَقَامَ بِالْفَوْرِ فَذَا التَّخْيِيرُ فِي ... إمْضَائِهِ الْبَيْعَ أَوْ الْفَسْخَ اُقْتُفِيَ
وَإِنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ مَضَى زَمَنْ ... فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَلَهُ أَخْذُ الثَّمَنْ
إنْ كَانَ عَالِمًا بِفِعْلِ الْبَائِعِ ... وَسَاكِتًا لِغَيْرِ عُذْرٍ مَانِعِ
لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِر، ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْبَيْعِ، ثُمَّ بَلَغَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ رَبَّ الْمَالِ، وَلَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ثَمَنٍ، وَلَا مَثْمُونٍ فَضْلًا عَنْ رَدِّ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ مَالَ غَيْرِهِ فَإِنْ قَامَ رَبُّهُ بِالْفَوْرِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ مَضَى زَمَانٌ فَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِ شَيْئِهِ، وَالْبَيْعُ مَاضٍ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى فَسْخِهِ. فَقَوْلُهُ: مَا عَمِلَهُ أَيْ الْبَائِعُ مِنْ الْبَيْع يَعْنِي وَادَّعَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي:
وَبِالْمَبِيعِ بَائِعٌ لَهُ أَقَرَّ
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ:
وَقَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ لَا شَيْءَ لَهْ
أَنَّهُ إنْ قَامَ بِالْفَوْرِ فَلَا يَكُونُ لَا شَيْءَ لَهُ بَلْ لَهُ فِي النَّظَرِ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَأَخْذِ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ وَفَسْخِهِ. وَقَوْلُهُ:
وَغَيْرُ مَنْ فِي عَقْدِهِ الْبَيْعِ حَضَرْ
مُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ:
وَغَائِبٌ يَبْلُغهُ مَا عَمَلَهْ
إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ.
وَقَوْلُهُ:
وَإِنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ مَضَى زَمَنْ
هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَقَامَ بِالْفَوْرِ. وَقَوْلُهُ:
إنْ كَانَ عَالِمًا بِفِعْلِ الْبَائِعِ
هُوَ شَرْطٌ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْقِيَامُ، وَإِنْ مَضَى زَمَانٌ. وَقَوْلُهُ:
وَسَاكِتًا لِغَيْرِ عُذْرٍ مَانِعٍ
لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَهُوَ كَوْنُ سُكُوتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ. فَإِنْ كَانَ لِخَوْفٍ فَلَا حُكْمَ لِسُكُوتِهِ، وَلَهُ الْقِيَامُ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَرُبَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْحَاضِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُفِيدِ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ وَهُوَ غَائِبٌ وَهُوَ يَدَّعِيهِ أَيْضًا لِنَفْسِهِ، فَبَلَغَ صَاحِبَ الْمَالِ ذَلِكَ، فَلَا يُغَيِّرُ وَلَا يُنْكِرُ وَلَا يُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ عُدُولًا ثُمَّ قَامَ يَطْلُبهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا إلَى ثَمَنِهِ اهـ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُفِيدِ أَيْضًا: وَإِنْ قَالَ: أَبِيعُكَ دَارَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ فَتَمَّ الْبَيْعُ فِيهَا. ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ بِذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ، أَوْ قَدِمَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ مَالَهُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ الْبَيْعَ: إذَا عَلِمَ وَسَكَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ مَا قَارَبَ فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ تَكْثُرْ الْأَيَّامُ فَيَلْزَمُهُ، اهـ وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الْمُفِيدِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ زَرْبٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَيْعِ عَلَيْهِ مَالُهُ، وَهُوَ غَائِبٌ ثُمَّ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَسَكَتَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فِيهِ، فَقَالَ: الْقِيَامُ لَهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ هُوَ كَمَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ لِلْبَيْعِ فَسَكَتَ وَلَمْ يُغَيِّرْ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ