قَالَ فِي الْمُفِيدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: غَائِبٌ قَرِيبُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَهَذَا يُكْتَبُ إلَيْهِ وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ فَإِمَّا وَكَّلَ وَإِمَّا قَدِمَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ أَصْلٍ وَغَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ تُرْجَ لَهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي نَوَازِلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِّ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ هُوَ مَعَ الْأَمْنِ وَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ وَلَا مَسْلُوكَةٍ فَيُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ فِيهَا وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ، وَمَنْ خَلْفَ الْبَحْرِ بِالْجَوَازِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبَرِّ الْوَاحِدِ إلَّا فِي الْأَمَدِ الَّذِي يُمْتَنَعُ رُكُوبُهُ فَيَكُونُ لِلْقَرِيبِ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ هَذَا الَّذِي أَرَاهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِيَّاهُ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِيمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا قَوْلُهُ وَيَعْذُرُ الْحَاكِمُ أَيْ يَقْطَعُ عُذْرَهُ وَحُجَّتَهُ بِالْكَتْبِ إلَيْهِ فَإِمَّا وَكَّلَ أَوْ قَدِمَ كَمَأ ذُكِرَ وَقَوْلُهُ بِإِطْلَاقٍ أَيْ أَصْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ثُبُوتٍ يَتَعَلَّقُ بِبَيْعٍ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلِ نَعْتٌ لِلْمُوجِبَاتِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا مُوجِبَاتٍ أَنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ وَمَعْنَى أَوَّلِيَّتِهَا أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فَلَا يُبَاعُ مَالُهُ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّيْنُ الْمُوجِبُ لِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ، وَغَيْبَتُهُ الْمُوجِبَةُ لِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ الْمُوجِبُ لِتُفِيدَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِعَدَدِ الْمَالِ، وَالْمِلْكُ الْمُوجِبُ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِالْبَيْعِ فِي هَذَا الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ قَوْلُهُ
وَمَا مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِيعَ بِإِطْلَاقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ.
وَقَوْلُهُ:
وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، أُمْضِيَا
يَعْنِي وَكَمَا يُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، كَذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ لِزَوْجَتِهِ، وَالْعِتْقِ لِرَقِيقِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُوجِبَاتِ لِذَلِكَ فَفِي الطَّلَاقِ بَعْدَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَثُبُوتِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِهِ أَوْ ثُبُوتِ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِهِ، وَالْيَمِينُ عَلَى نَصِّهِ، وَالْإِعْذَارُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ بَعْدَ ثُبُوتِ غَيْبَةِ السَّيِّدِ وَمِلْكِهِ لِهَذَا الْمَمْلُوكِ وَثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِ بِالْأَصَالَةِ، أَوْ الشَّهَادَةِ عَلَى السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ وَعَدَمِ النَّفَقَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي لَا صَنْعَةَ لَهَا أَوْ لَهَا صَنْعَةٌ لَا تَقُومُ بِنَفَقَتِهَا، وَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَوْلُهُ:
وَمَا لَهُ لِحُجَّةٍ إرْجَاءُ
الْبَيْتَيْنِ. تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ مَنْ خَلْفَ الْبَحْرِ بِالْجَوَازِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبَرِّ الْوَاحِدِ إلَّا فِي الْأَمَدِ الَّذِي يَمْتَنِعُ رُكُوبُهُ فَيَكُونُ لِلْقَرِيبِ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ أَيْ فَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ وَتُسْمَعُ مِنْهُ.
فَرْعٌ اُخْتُلِفَ هَلْ يُسْتَأْنَى فِي الْبَيْعِ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا فَقِيلَ لَا يُسْتَأْنَى بِهِ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَقِيلَ يُسْتَأْنَى بِهِ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا ذِمَّةَ لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِينَاءِ بِهِ إذَا خُشِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الطُّرَرِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي
وَالْحُكْمُ مِثْلُ الْحَالَةِ الْمُقَرَّرَة ... فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةٍ كَالْعَشَرَةِ
وَفِي سِوَى اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أُعْمِلَا ... وَالْخُلْفُ فِي التَّفْلِيسِ مَعَ عِلْمِ الْمَلَا
وَذَا لَهُ الْحُجَّةُ تُرْجَى وَاَلَّذِي ... بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ مُنْقِذِ
وَيَقْتَضِي بِمُوجِبِ الرُّجُوعِ ... مِنْ الْغَرِيمِ ثَمَنُ الْمَبِيعِ
هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْغِيَابِ وَهُوَ ذُو الْغَيْبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَهُوَ مَنْ عَلَى الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ فِي كَوْنِهِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُصُولِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ هَلْ يُفَلَّسُ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عُلِمَ كَوْنُهُ مَلِيًّا وَأَمَّا إنْ جُهِلَ حَالُهُ يُفَلَّسُ اتِّفَاقًا وَإِذَا فُلِّسَ فَتُحَلُّ دُيُونُهُ، وَمَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ عِنْدَهُ أَخَذَهَا فَإِذَا أَتَى بِحُجَّةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ بِخِلَافِ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فَإِنْ أَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِيعَ فِيهِ مَالُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْغَرِيمِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعَةِ
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي تَقْسِيمِ الْغَيْبَةِ