غَيْبَةَ مَالِكِهَا عَنْهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً كَلَّفَهَا إثْبَاتَ غَيْبَتِهِ وَمِلْكِهِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا بَعَثَ لَهَا بِشَيْءٍ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُكَلِّفُهَا أَيْضًا إثْبَاتَ كَوْنِهَا عَاجِزَةً عَنْ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِثْلُهَا لِتُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَالْمَمْلُوكَةُ أَحْرَى وَأَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ الْحَاكِمِ.
قَالَ الشَّارِحُ وَقَدْ أَوْجَبَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِقْرَاءَ لِأَمْثَالِهَا عَلَيَّ أَنْ قَيَّدْتُ مَا نَصُّهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى أُمُورٍ مَنْظُومَةٍ ثُمَّ يَنْجَلِي الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ إذَا ضُرِبَ لَهَا الْأَجَلُ وَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ نَحْوَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ النَّظَرُ الَّذِي يُرْفَعُ عَنْهُ التَّنَاقُضُ الَّذِي يَظْهَرُ لِبَادِئِ الرَّأْيِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَذَلِكَ يَقْسِمُ التَّقْسِيمَ الْحَاصِرَ لِصُوَرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَلَعَلَّهُ يُنْتِجُ قَاعِدَةً تَرْجِعُ إلَيْهَا أَفْرَادُهَا فَأَقُولُ لَا يَخْلُو حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي أَمْثَالِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مُوجِبٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَوُجُودُهُ خَالٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قِطْعَتَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَنْهَضُ أَنْ يُنْقَضَ بِمُوجِبٍ ظَنِّيٍّ مَا ثَبَتَ أَوَّلًا بِمُوجِبٍ قَطْعِيٍّ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِثَالٌ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِوَجْهٍ.
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِمُوجِبٍ ظَنِّيٍّ فَلَا يَخْلُو أَنَّهُ يُعَارِضُهُ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ وَأَيًّا مَا كَانَ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ أَوْ يَطْرَأَ فَوْتٌ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ مَصْلَحَةٍ نُصِّبَ الْحَاكِمُ أَوْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا عَارَضَ فِيهِ الْقَطْعِيُّ الظَّنِّيَّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَلَا طَرَأَ فَوْتٌ وَلَا غَيْرُهُ فَالظَّاهِرُ فِي هَذَا نَقْصُ الْحُكْمِ وَذَلِكَ كَإِتْيَانِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ بَعْد أَنْ اعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ وَقَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَقَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَكَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ بَعْدَ دَفْعِ النَّفَقَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ إذَا عَارَضَ الْقَطْعِيُّ الظَّنِّيَّ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، أَوْ طَرَأَ فَوْتٌ وَذَلِكَ كَإِتْيَانِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ عَلَى قَوْلٍ فَالظَّاهِرُ هُنَا عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ وَالْقِيَاسُ النَّقْضُ وَعَدَمُهُ اسْتِحْسَانٌ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ إذَا عَارَضَ الظَّنِّيُّ الظَّنِّيَّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا طَرَأَ فَوْتٌ فَلَا إشْكَالَ هُنَا فِي نَقْضِ الْحُكْمِ كَمَا إذَا بِيعَتْ دَارُ الْمَدِينِ الْغَائِبِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ أَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَبْطَلَ أَصْلَهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُنَا تَنْزِيلُ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ لَوْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا فَوْتٌ بِالْعِتْقِ وَالتَّزْوِيجِ وَأَمَّا بَعْدَ حُدُوثِهِمَا فَهِيَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ إذَا عَارَضَ الظَّنِّيُّ الظَّنِّيَّ وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ أَوْ طَرَأَ فَوْتٌ كَبَيْعِ دَارِ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَيَمْضِي الْحُكْمُ وَلَا تُرَدُّ لِلْغَائِبِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقَوْلُ بِالنَّقْضِ أَقْيَسُ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّارِحِ بِاخْتِصَارٍ.
(قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ) وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِأَقْسَامِهَا تَقْرِيبًا لِلْحِفْظِ فَقُلْتُ فِي أَوَاخِرِ نَظْمِنَا الْمُسَمَّى " بُسْتَانُ فِكَرِ الْمُهَجِ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ "
إنْ حَكَمَ الْقَاضِي فَبَانَ خُلْفُ مَا ... اسْتَنَدَ الْحُكْمُ لَهُ فَأُعْلِمَا
فَمَا انْتَمَى لِلْقَطْعِ فَالْمُعَارِضُ ... قَطْعِي امْنَعْنَ وَالظَّنُّ لَا يُنَاقِضُ
وَلَيْسَ يُوجَدُ لِهَذَيْنِ مِثَالْ ... وَإِنَّمَا التَّقْسِيمُ أَفْضَى لِلْمَقَالْ
وَمَا انْتَمَى لِلظَّنِّ فَاَلَّذِي أَتَى ... إمَّا بِقَطْعٍ أَوْ بِظَنٍّ ثَبَتَا
إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ حَقٌّ لَا وَلَا ... طَارِئُ فَوْت فَانْقُضَنَّ مُسْجَلَا
وَذَا كَمَفْقُودٍ أَتَى وَلَا نِكَاحَ ... أَوْ أَخَذَ الدَّارَ الَّذِي الدَّيْنَ اسْتَبَاحَ
فَثَبَتَتْ بَرَاءَةُ الْمِدْيَانِ ... وَإِنْ يَكُنْ أَثْبَتَ بِاسْتِحْسَانِ
كَأَنْ أَتَى بَعْدَ النِّكَاحِ أَوْ أَخَذْ ... دَارِهِ أَجْنَبِيٌّ بِبَيْعٍ قَدْ نَفِذْ
وَنَقْضُهُ الْقِيَاسُ وَالْبَسْطُ لَدَى ... شَرْحِ ابْنِ عَاصِمٍ لِمَنْ قَدْ وُلِدَا
فِي بَيْعِ مَالِ غَائِبٍ ذَاكَ ذَكَرْ ... فَرَاجِعْنَهُ ثُمَّ حَقِّقْ النَّظَرْ.