جَارًا لِلْآخَرِ وَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ.
هَذَا حُكْمُ الْعَقَارِ الْمُنْقَسِمِ الَّذِي لَيْسَ تَابِعًا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِغَيْرِهِ كَالدُّورِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالنَّخْلِ، وَالشَّجَرِ، فَقَوْلُهُ " شُفْعَةٌ " مُبْتَدَأٌ عَامِلٌ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ الْمُسَوِّغُ لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ وَمِمَّا شُرِعَ خَبَرُهُ وَفِي ذِي الشِّيَاعِ يَتَعَلَّقُ بِشُرِعْ وَبَاءُ بِحَدٍّ سَبَبِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَمْتَنِعْ وَأَمَّا مَا كَانَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَمُتَعَلِّقًا بِهِ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ بِهِ وَلَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ، وَذَلِكَ كَالْجُدْرَانِ، وَالْبِئْرِ، وَفَحْلِ النَّخْلِ، وَالْمَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ مَا دَامَ أَصْلُهُ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ التَّابِعُ وَحْدَهُ وَالْمَتْبُوعُ لِحَالِهِ لَمْ يَنْقَسِمْ، وَأَمَّا إنْ قُسِمَ الْمَتْبُوعُ وَهُوَ الْأَرْضُ، بَقِيَ التَّابِعُ لَهَا عَلَى الْإِشَاعَةِ فَبَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَلَا شُفْعَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ.
إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَشَارَ ابْنُ سَلْمُونٍ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا الْمَاءُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ فِي إيجَابِ الشُّفْعَةِ فِيهِ إذَا بِيعَ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ دُونَهَا وَلَمْ تُقْسَمْ الْأَرْضُ وَاخْتُلِفَ فِي إيجَابِ الشُّفْعَةِ فِيهِ إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى إنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ اهـ مِنْ الشَّارِحِ.
(وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ قُلْت لِعِيسَى مَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فِي فَحْلِ نَخْلٍ قَالَ هِيَ آبَارُ الْحَوَائِطِ إذَا قُسِمَتْ الْحَوَائِطُ وَبَقِيَتْ الْبِئْرُ أَوْ الْفَحْلُ لَمْ يُقْسَمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُسْتَطَاعُ قَسْمُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ آبَارًا كَثِيرَةً أَوْ فُحُولًا كَثِيرَةً لَمْ تُقْسَمْ فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ سَهْمَهُ فِيهَا لَكَانَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْقَسْمَ يَصْلُحُ فِيهَا وَفِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّ بِئْرًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَبِهَا بَيَاضٌ وَنَخْلٌ فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَاءِ وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِنْ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُقَاسِمْ شَرِيكَهُ لَكَانَ لِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ فِي الْمَاءِ وَإِنْ اقْتَسَمَا النَّخْلَ وَالْأَرْضَ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَاءِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ شُفْعَةٌ اهـ.
وَقَدْ أَشَارَ النَّاظِمُ لِحُكْمِ التَّابِعِ بِقَوْلِهِ " وَمِثْلُ بِئْرٍ " الْبَيْتَيْنِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقُ الْمُشْتَرَكَةُ وَسَاحَةُ الدَّارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَشَارَ لِحُكْمِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَبَيْعِ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ مَعًا بِقَوْلِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِمَا تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَبِقَوْلِهِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهَا فِيهِ الْحُكْمُ فَفَاعِلُ يَدْخُلُ يَعُودُ عَلَى " مِثْلُ " وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَضَمِيرُ فِيهَا لِلشُّفْعَةِ وَضَمِيرُ لَهَا فِي الْبَيْتِ الثَّانِي يَعُودُ عَلَى الْأُصُولِ ثُمَّ أَشَارَ لِحُكْمِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذْ بِيعَ التَّابِعُ وَحْدَهُ وَالْمَتْبُوعُ لَمْ يُقْسَمْ بِقَوْلِهِ " وَحْدَهُ إنْ أَرْضُهُ لَمْ تُقْسَمْ " وَفُهِمَ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عَدَمُ وُجُوبِهَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ إذَا بِيعَ التَّابِعُ وَحْدَهُ بَعْدَ قَسْمِ الْمَتْبُوعِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي الْفَحْلِ وَالْبِئْرِ وَالْمَاءِ وَسَاحَةِ الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا فِي تَعَدُّدِ الْفَحْلِ وَالْبِئْرِ فَالشُّفْعَةُ فِيهَا وَإِنْ قُسِمَ مَتْبُوعُهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ النَّاظِمُ
وَالْفُرْنُ وَالْحَمَّامُ وَالرَّحَى الْقَضَا ... وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فِيهَا قَدْ مَضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute