للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَمْرِ الشَّفِيعِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْأَخْذَ أَوْ التَّرْكَ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَ لِيَنْظُرَ وَيَسْتَشِيرَ كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَانْعَقَدَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ.

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شُفْعَةٍ وَلَا ... هِبَتُهَا وَإِرْثُهَا لَنْ يَبْطُلَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ لَا يَصِحُّ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَأَمَّا إرْثُهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ لَهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ «مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ» .

(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت هَلْ تُورَثُ الشُّفْعَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ نَعَمْ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ أَوْ هِبَتِهَا هُوَ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ فِيهِ إجْمَالٌ لِأَنَّ بَيْعَ الشُّفْعَةِ أَوْ هِبَتَهَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ الْهِبَةُ بَعْدَ بَيْعِ الشَّرِيكِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِعَدَمِ الْبَيْعِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ فَأَمَّا بَيْعُهَا أَوْ هِبَتُهَا لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ وُجُوبِهَا وَقَبْلَ الْأَخْذِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِشْفَاعِ مِنْ غَيْرِ الْمُبْتَاعِ وَلَا أَنْ يَهَبَهَا لَهُ وَصُورَتُهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ شَرِيكُك وَجَبَتْ لَك الشُّفْعَةُ فَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَبِيعَ مَا وَجَبَ لَك أَنْ تَهَبَهُ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْ شَرِيكِك وَالْفَرْضُ أَنَّك لَمْ تَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ بَعْدُ وَأَمَّا بَيْعُهَا إنْ وَهَبْتهَا لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ أَنْ تَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا.

(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت فَمَنْ أَتَى إلَى رَجُلٍ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ فَقَالَ لَهُ خُذْ بِشُفْعَتِك وَأَنَا أُرْبِحُكَ عِدَّةً سَمَّاهَا قَالَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. وَصُورَتُهَا أَنْ يَبِيعَ شَرِيكُكَ شِقْصَهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا وَوَجَبَتْ لَك شُفْعَتُهُ فَيَأْتِيك أَجْنَبِيٌّ يَقُولُ لَك خُذْ شُفْعَتَك بِالْمِائَةِ وَأَنَا أُعْطِيك فِي ذَلِكَ الشِّقْصِ مِائَةً وَخَمْسِينَ أَوْ يَقُولُ خُذْ بِشُفْعَتِك وَهَبْ لِي مَا شَفَعْتُ فَتَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْمِائَةِ ثُمَّ تَهَبُ ذَلِكَ الشِّقْصَ أَوْ تَبِيعُهُ لَهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ بَيْعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ أَوْ هِبَتِهِ بِقُرْبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلِلْمُشْتَرِي الْمَشْفُوعِ مِنْ يَدِهِ قِيَامٌ عَلَى الشَّفِيعِ إذَا بَاعَ بِالْقُرْبِ لَا سِيَّمَا وَالْبَيْعُ هُنَا مَدْخُولٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَأَمَّا بَيْعُهَا أَوْ هِبَتُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِكَ بَعْدَ بَيْعِ الشَّرِيكِ وَقَبْلَ أَنْ تَأْخُذَ بِشُفْعَتِك فَهِيَ الَّتِي نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ سُئِلَ عَنْهَا وَهِيَ الشَّفِيعُ يَهَبُ شُفْعَتَهُ لِلْمُبْتَاعِ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بِبَيْعِهِ إيَّاهَا مِنْهُ.

فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْبَغَ لَا يَكُونُ لِلشُّرَكَاءِ فِي الشُّفْعَةِ مَعَ الشَّفِيعِ إنْ كَانَ لَهُ شُرَكَاءُ إلَّا مَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ الشُّفْعَةِ اهـ لَفْظُهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا لِلشَّفِيعِ فَإِنْ لَمْ يُشَارِكْ الشَّفِيعَ أَحَدٌ فِي رُتْبَتِهِ اسْتَبَدَّ الْمُشْتَرِي بِمَا اشْتَرَى وَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنُوبُ الشَّفِيعَ مِنْ الْمَشْفُوعِ وَلِشُرَكَائِهِ مَا يَنُوبُهُمْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَظْهَرُ مَا فِي الْقَوْلَيْنِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ يَرُدُّ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى هِبَةِ الشُّفْعَةِ لَهُ إنْ كَانَ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِشُفْعَتِهِ عَلَى إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا فَإِنْ سَلَّمَهَا كَانَ لِإِشْرَاكِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ إشْرَاكٌ أَخَذَ الْجَمِيعَ بِالشُّفْعَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِشْفَاعِ مِنْ غَيْرِ الْمُبْتَاعِ وَلَا أَنْ يَهَبَهَا لَهُ اهـ.

وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْبَيْعَ أَوْ الْهِبَةَ يُفْسَخُ وَيَرُدُّ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ تَرْجِعُ الشُّفْعَةُ لِصَاحِبِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِشُفْعَتِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا فَإِنْ سَلَّمَهَا كَانَ لِإِشْرَاكِهِ فِيهَا أَخْذُ الْجَمِيعِ بِالشُّفْعَةِ إنْ كَانَ لَهُ إشْرَاكٌ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ مَمْنُوعَانِ وَفِي الثَّالِثِ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ فَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ الْمَنْعَ صَحِيحٌ وَأَمَّا الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ الْبَيْعُ أَوْ الْهِبَةُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ وَلَا هِبَتِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ بَيْعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ فِي تِلْكَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ لِلْمُشْتَرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>