للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِوُجُوبِ شُمُولِ الْآلَاتِ فِيهِ بِخِلَافِ الْحَمْدِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَإِنَّمَا قَالَ فِي حَدِّ الْحَمْدِ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ وَالْوَصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَعْرِيفُ الْحَمْدِ الْوَاقِعِ فِي الْكِتَابِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَصْفٌ بِاللِّسَانِ وَمَنْ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ قَالَ هُوَ الثَّنَاءُ بِالْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَشْمَلُ الْقَدِيمَ وَالْحَادِثَ وَالْحَمْدُ وَالْمَدْحُ بِمَعْنًى وَيَفْتَرِقَانِ بِأَنَّ الْحَمْدَ خَاصٌّ لِأُولِي الْعِلْمِ وَالْمَدْحُ يَكُونُ لِأُولِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ فِي حَدِّ الشُّكْرِ صَرْفُ الْعَبْدِ. . . إلَخْ زَادَ بَعْضُهُمْ كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَى مُطَالَعَةِ مَصْنُوعَاتِهِ وَالسَّمْعِ إلَى تَلَقِّي مَا يُنَبِّئُ عَنْ مَرْضَاتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَنْهِيَّاتِهِ وَأَلْ فِي الْحَمْدِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا كُلٌّ نَحْوُ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: ٢] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ إمَّا قَدِيمٌ وَهُوَ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ أَوْ حَادِثٌ وَهُوَ حَمْدُ الْعِبَادِ لِرَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ أَوْ لِبَعْضِهِمْ، فَالْقَدِيمُ صِفَتُهُ وَوَصْفُهُ، وَالْحَادِثُ خَلْقُهُ وَمُلْكُهُ فَالْحَمْدُ كُلُّهُ لَهُ وَلَامُ لِلَّهِ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَيْ جَمِيعُ الْمَحَامِدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَاسْمُ الْجَلَالَةِ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ الْوَاجِبَةِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَهُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْأَلْسُنَ فَلَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَالَ تَعَالَى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: ٦٥] أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا تَسَمَّى اللَّهَ اسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيْ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ وَهُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ

(وَرُوِيَ) أَنَّهُ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى خَيْرًا كَثِيرًا بِسَبَبِ قَوْلِهِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ الَّذِي يَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ هُوَ وَصْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الِاسْتِفْتَاحُ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ الْمُعَبِّرِ عَنْهَا عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ بِالْأَلْقَابِ الْبَدِيعِيَّةِ النَّوْعَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَهِيَ دَلَالَةُ اسْتِفْتَاحِ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ الْغَرَضِ فِي مَضْمُونِ جُمْلَتِهِ وَهُوَ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَصْفُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَفِي قَوْلِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ إشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إلَى كَوْنِ الْقَاضِي مَقْضِيًّا عَلَيْهِ مِنْ مَوْلَاهُ سُبْحَانَهُ وَمِمَّنْ وَلَّاهُ فَمَا أَحَقَّهُ أَنْ يَسْتَشْعِرَ بِذَلِكَ الْخَوْفَ مِنْ الْجَوْرِ وَأَنْ يَتَوَخَّى الْإِصَابَةَ لِلْعَدْلِ بِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ مِنْ الْقَضَاءِ إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ يُمَاثِلُهُ مَا بِيَدِ مَنْ وَلَّاهُ وَبِيَدِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْقَضَاءُ حَقِيقَةً {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: ٥٧] وَقُرِئَ " يَقْضِي الْحَقَّ " اهـ.

(وَجَلَّ) فِعْلٌ مَاضٍ وَمَعْنَاهُ عَظُمَ وَشَأْنًا تَمْيِيزٌ مَنْقُولٌ مِنْ الْفَاعِلِ أَيْ عَظُمَ شَأْنُهُ وَعَلَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَطْفٌ عَلَى جَلَّ فِعْلٌ مَاضٍ أَيْضًا قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَصْدَرٍ مَعْطُوفًا عَلَى شَأْنًا أَيْ جَلَّ شَأْنُهُ وَعَلَاؤُهُ وَقَصْرُهُ ضَرُورَةٌ وَلَمَّا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى أَتْبَعَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَمْرِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦] وَالصَّلَاةُ الرَّحْمَةُ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى زِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ وَإِنْعَامٌ وَمِنْ الْعِبَادِ عِبَادَةٌ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَلَكِنْ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الرَّحْمَةِ بِالصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَبِدَوَامِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْ مُؤَقَّتَةً وَالْأَبَدُ حَرَكَةُ الْفَلَكِ.

(وَالْمُصْطَفَى) : الْمُخْتَارُ (وَآلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ (وَالْفِئَةُ) الْجَمَاعَةُ (وَالْمُتَّبِعَةُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لِمَا سَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَّعَهُ وَيَتْبَعُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَمَعْنَى سَنَّهُ وَشَرَّعَهُ، أَيْ جَعَلَهُ سُنَّةً وَشَرِيعَةً وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَّبِعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَبَعْدُ فَالْقَصْدُ بِهَذَا الرَّجَزِ ... تَقْرِيرُ الْأَحْكَامِ بِقَوْلٍ مُوجَزِ

آثَرْت فِيهِ الْمَيْلَ لِلتَّبْيِينِ ... وَصُنْته جُهْدِي مِنْ التَّضْمِينِ

وَجِئْت فِي بَعْضٍ مِنْ الْمَسَائِلِ ... بِالْخُلْفِ رَعْيًا لِاشْتِهَارِ الْقَائِلِ

فَضِمْنُهُ الْمُفِيدُ وَالْمُقَرِّبُ ... وَالْمَقْصِدُ الْمَحْمُودُ وَالْمُنْتَخَبُ

(بَعْدُ) مِنْ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ وَإِذَا قُطِعَ عَنْهَا لَفْظًا بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مَنْوِيٌّ تَقْدِيرُهُ وَبَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالرَّجَزُ أَحَدُ بُحُورِ الشَّعْرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي أَوَّلُهَا الطَّوِيلُ وَآخِرُهَا الْمُتَقَارِبُ وَهُوَ مُسَدَّسُ الدَّائِرَةِ مُرَكَّبٌ مِنْ مُسْتَفْعِلُنْ سِتُّ مَرَّاتٍ وَيُقْرَأُ لَفْظُ الْأَحْكَامِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>