للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا لِلْوَزْنِ وَهُوَ جَمْعُ حُكْمٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفِقْهُ الْمُتَقَرِّرُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَقَدَةِ كَالْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا لِيُفْصَلَ بِهَا بَيْنَ الْخُصُومِ.

(وَالْمُوجَزُ) الْمُخْتَصَرُ قَلِيلُ اللَّفْظِ كَثِيرُ الْمَعْنَى (وَآثَرْتُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى اخْتَرْتُ وَفَضَّلْتُ وَمِنْهُ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] وَالْمَيْلُ: الْجُنُوحُ وَالرُّكُونُ (وَالتَّبْيِينُ) مَصْدَرُ بَيَّنَ (وَالصَّوْنُ) الْحِفْظُ وَمَعْنَى (جُهْدِي) طَاقَتِي وَوُسْعِي وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالتَّضْمِينُ افْتِقَارُ مَعْنَى الْبَيْتِ إلَى الَّذِي بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ خَبَرًا أَوْ جَوَابَ شَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتِمُّ مَعْنَى الْكَلَامِ إلَّا بِهِ وَسُمِّيَ تَضْمِينًا لِأَنَّهُ ضَمَّنَ الْبَيْتَ الثَّانِيَ مَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالثَّانِي وَهُوَ عِنْدَ الْعَرُوضِيِّينَ مِنْ عُيُوبِ الشِّعْرِ.

وَفِيهِ يَقُولُ الْخَزْرَجِيُّ

وَتَضْمِينُهَا إحْوَاجُ مَعْنًى لِذَا وَذَا

، وَفِيهِ يَقُولُ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي لَامِيَّتِهِ فِي الْعَرُوضِ فِي تَرْجَمَةِ الْعُيُوبِ

تَضْمِينُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ مُفْتَقِرًا ... إلَى الَّذِي بَعْدَهُ كَأَنَّهُ وُصِلَا

وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ أَشْيَاخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّاظِمَ عَرَّضَ بِقَوْلِهِ:

وَصُنْته جُهْدِي مِنْ التَّضْمِينِ

إلَى نَظْمِ الْفَقِيهِ الْقَاضِي الْبَلِيغِ أَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ مِمَّنْ عَاصَرَ ابْنَ رُشْدٍ، وَكَانَ الْقَضَاءُ يَدُورُ بَيْنَهُمَا أَلَّفَ فِي أَحْكَامِ الْقَضَاءِ كَتُحْفَةِ النَّاظِمِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنْ التَّضْمِينِ وَمَا سَمَّاهُ الْيَاقُوتَةَ وَفِيهِ أَلْفُ بَيْتٍ وَصَدْرُهُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَدِيمِ الْبَاقِي ... الْبَارِئِ الْمُصَوِّرِ الْخَلَّاقِ

الْحَكَمِ الْعَدْلِ الَّذِي لَا يُسْأَلُ ... فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ عَمَّا يَفْعَلُ

وَالْمَلِكِ الْحَقِّ الَّذِي يَقْضِي وَلَا ... يُقْضَى عَلَيْهِ جَلَّ قَدْرًا وَعَلَا

سُبْحَانَهُ مِنْ وَاحِدٍ تَعَاظَمَا ... وَعَلَّمَ الْعِلْمَ أَبَانَا آدَمَا

وَبَعْدُ فَالْأَهَمُّ عِلْمُ الْأَدْيَانِ ... لِطَالِبِ الْعُلُومِ كُلَّ الْأَحْيَانِ

وَأَجْرُ مَنْ قَامَ بِهِ عَظِيمُ ... وَبِرِضَا اللَّهِ لَهُ نَعِيمُ

وَقَدْ نَظَمْت بَعْضَ أَحْكَامِ الْقَضَا ... مُبْتَغِيًا أَجْرًا وَنَيْلًا الرِّضَا

فِي رَجَزٍ خُولِطَ بِالسَّرِيعِ ... عَلَى سَبِيلِ الْمُحْدَثِ الْمَتْبُوعِ

مُسْتَعْمِلًا مَا شَذَّ مِنْ زِحَافِ ... وَبَعْضَ مَا قَدْ عِيبَ فِي الْقَوَافِي

وَذَاكَ مَغْفُورٌ لَدَى مَنْ أَنْصَفَا ... فِي جَنْبِ مَا جِئْت بِهِ مُعَرَّفَا

مُغَلِّبًا تَحْسِينِي الْمَعْنَى عَلَى ... تَحْسِينِي اللَّفْظَ الَّذِي عَنْهُ انْجَلَى

وَمَا نَظَمْته بِصِدْقِ النِّيَّةِ ... سُمِّيَ بِالْيَاقُوتَةِ الْأَلْفِيَّةِ

إذْ عَدُّهَا يُنْهَى إلَى الْقُضَاةِ ... وَغَيْرِهِمْ أَلْفٌ مِنْ الْأَبْيَاتِ

وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ مِنْ التَّضْمِينِ قَوْلُهُ فِي رُجُوعِ الشَّاهِدِ عَنْ شَهَادَتِهِ

وَإِنْ يَكُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ ... يَجُزْ وَيَغْرَمُ امْتِثَالًا لِلْحَكَمْ

جَمِيعَ مَا أَتْلَفَ بِالشَّهَادَهْ ... فَصْلٌ وَفِي بَدْءٍ وَفِي إعَادَهْ

يَلْزَمُ مَنْ يَقْضِي بِأَنْ يُسْعِفَ مَنْ ... كَلَّفَهُ الْكَتْبَ لِحُكَّامِ الزَّمَنْ

بِمَا بِهِ قَضَى وَمَا قَدْ ثَبَتَا ... وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ وَمَا أَنْ مُقِتَا

عَلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ ... مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ لَهَا وَيَأْتِي

مَنْعُ الْقَبُولِ مَعَ مَا عَلَيْهِ ... عَمَلُنَا وَصَغْوُنَا إلَيْهِ

فَانْظُرْ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بَيْتٍ مِنْهَا لَا يَتِمُّ مَعْنَاهُ إلَّا بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ النَّظْمِ وَلَكِنْ يَكْفِي فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ

مُغَلِّبًا تَحْسِينِي الْمَعْنَى عَلَى ... تَحْسِينِي اللَّفْظَ الَّذِي عَنْهُ انْجَلَى

- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ قَوْلُهُ: (وَجِئْت فِي بَعْضٍ مِنْ الْمَسَائِلِ) الْبَيْتُ.

أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِ وَاحِدٍ لِمَشْهُورِيَّتِهِ أَوْ جَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهِ، وَفِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ يَذْكُرُ الْخِلَافَ بِحَيْثُ يَحْكِي قَوْلَيْنِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>