للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَيْنِ مَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا وَقَدْ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ إذَا هَلَكَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَا يَأْتِي بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْبَلَاغُ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ يُونُسَ: كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَشِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُوَفِّيَهُ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ كَمَا عَلَى الْمُكْتَرِي أَنْ يُوَفِّيَهُ رُكُوبَهُ أَوْ حَمْلَهُ، وَكِرَاءُ الْمَضْمُونِ كَشِرَاءِ السِّلَعِ الْمَضْمُونَةِ فَكَمَا كَانَ هَلَاكُ هَذِهِ السِّلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الشِّرَاءِ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَائِعِ ائْتِ بِمِثْلِهَا فَكَذَلِكَ كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ، أَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْغَايَةِ الْمُكْتَرَاةِ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ أَوْ بَقِيَّتُهُ وَكَمَا كَانَ هَلَاكُ السِّلْعَةِ الْمَضْمُونَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اسْتِحْقَاقُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الشِّرَاءِ وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ ائْتِ بِمِثْلِهَا فَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُتَّفَقٌ فَاعْلَمْهُ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ " كِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ مَضْمُونَةٍ " وَفِي الْمَعُونَةِ: " الْمَرْكُوبُ الْمُعَيَّنُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ بِتَعْيِينٍ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ كَهَذِهِ الدَّابَّةِ وَالنَّاقَةِ " ابْنُ عَرَفَةَ لِيُحِيطَ بِهَا الْمُكْتَرِي كَالْمُشْتَرِي قَالَ: " وَالْمَضْمُونَةُ يُذْكَرُ جِنْسُهَا وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ "، وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَالْمُتَيْطِيُّ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَتَعَيَّنُ الرَّاكِبُ، وَإِنْ عُيِّنَ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْيِينُهُ مِنْ الْمَوَّاقِ.

(تَنْبِيهٌ) لَا يَتَعَيَّنُ الْمَرْكُوبُ مِنْ دَابَّةٍ، أَوْ سَفِينَةٍ إلَّا بِتَعْيِينِهِ كَقَوْلِهِ أُكْرِيكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ، أَوْ هَذِهِ السَّفِينَةَ مُشِيرًا إلَيْهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ بِحُضُورِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعَ كَوْنِ الْمُكْرِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ كِرَاءٌ مَضْمُونٌ حَتَّى يُعَيَّنَ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَوْ يُكْرِي مِنْهُ نِصْفَ الْمَرْكَبِ أَوْ رُبُعَهُ فَيَكُونُ كَشَرِيكِ التَّعْيِينِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَانْظُرْهُ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَّا أَنَّ الْمُكْرِيَ إذَا قَدَّمَ لِلْمُكْتَرِي دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزِيلَهَا تَحْتَهُ إلَّا بِرِضَاهُ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَانِ فِي حُكْمِ تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ، وَتَأْخِيرِهِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي يَعْنِي أَنَّ الْكِرَاءَ إذَا كَانَ مَضْمُونًا يَجِبُ تَعْجِيلُ الْكِرَاءِ وَيُمْنَعُ تَأْجِيلُهُ لِأَنَّ فِيهِ تَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَيُسَمَّى ابْتِدَاءَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمَنْعَ التَّأْجِيلِ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ فَإِنْ شَرَعَ جَازَ التَّأْخِيرُ وَالنَّقْدُ وَأَمَّا الْكِرَاءُ الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كِرَاءُ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُعَيَّنٍ، وَمَضْمُونٍ فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ، وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرِكَهُ فِي الرُّكُوبِ، أَوْ كَانَ إنَّمَا يَرْكَبُ إلَى الْأَيَّامِ الْقَلَائِلِ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا عَلَى أَنْ لَا يَرْكَبَهَا إلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ النَّقْدِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ.

فَقَوْلُهُ: إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ إلَخْ هُوَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ النَّقْدِ لِأَنَّهُ مَعَ الطُّولِ يَكْثُرُ الْغَرَرُ، وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ كَوْنِهِ ثَمَنًا أَوْ سَلَفًا أَمَّا التَّأْخِيرُ فَيَجُوزُ شَرَعَ أَوْ لَا لِأَنَّ الْكِرَاءَ مُعَيَّنٌ فَلَيْسَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (ابْنُ رُشْدٍ) ، وَأَمَّا كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمَضْمُونَةِ أَوْ الرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُكْرِيَ مِنْك دَابَّةً أَوْ رَاحِلَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ وَإِنَّمَا تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَالْمُتَكَارِي إلَى الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَالسَّلَمِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا خَفَّفَ أَنْ يُقَدَّمَ الدِّينَارُ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ قَطَعُوا بِالنَّاسِ اهـ.

(فَرْعٌ) إذَا مَاتَتْ الرَّاحِلَةُ أَوْ الدَّابَّةُ فِي الْكِرَاءِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ فَإِنْ مَاتَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهَا يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مُنْتَهَى غَايَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَفَازَةٍ فَيَجُوزَ مُطْلَقًا لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ عِنْدَهُ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ.

وَحَيْثُ مُكْتَرٍ لِعُذْرٍ يَرْجِعُ ... فَلَازِمٌ لَهُ الْكِرَاءُ أَجْمَعُ

يَعْنِي: أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ يَزُفَّ عَلَيْهَا عَرُوسًا أَوْ لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ لِعُذْرٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>