للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِرَاءَ لَازِمٌ لَهُ جَمِيعَهُ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِعُذْرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ إذَا رَجَعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ إذَا تَكَارَى قَوْمٌ دَابَّةً لِيَزِفُّوا عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَتَهُمْ فَلَمْ يَزُفُّوهَا تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَعَلَيْهِمْ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ أَوْ لِلرَّجُلِ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلْيُكْرِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى، وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَ يَوْمَهُ بِدِرْهَمٍ فَأُمْكِنَ مِنْهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا إلَى الْحَجِّ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاقَهُ مَرَضٌ أَوْ سَقَطَ أَوْ مَاتَ أَوْ عَرَضَ لَهُ غَرِيمٌ حَبَسَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ، وَلَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ كِرَاءُ الدَّابَّةِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى مِثْلَهُ، وَيَكُونُ صَاحِبُ الْإِبِلِ أَوْلَى بِمَا عَلَى إبِلِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. اهـ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلْفُ عَلَى آجِرِهِ كَرَاكِبٍ وَنَقَلَ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَسُنَّ لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ مَا نَصُّهُ: إنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَزُفَّ عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَةً مُعَيَّنَةً فَتَأَخَّرَ الزِّفَافُ لِمَرَضٍ، أَوْ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاءٌ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ اهـ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ النَّاظِمُ، وَلِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الْخُلْفُ مِنْ الْمُكْتَرِي، وَأَمَّا إنْ خَالَفَ الْمُكْرِي وَهُوَ رَبُّ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ مُعَيَّنًا انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَمْ يَنْفَسِخْ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : " وَإِذَا تَغَيَّبَ الْجَمَّالُ يَوْمَ خُرُوجِك فَلَيْسَ لَك عَلَيْهِ إنْ لَقِيتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ وَلَهُ كِرَاؤُهُ " ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الرُّكُوبَ اهـ.

وَهَذَا فِي كُلِّ سَفَرٍ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ إلَّا الْحَاجَّ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ، وَإِنْ قَبَضَ الْكِرَاءَ رَدَّهُ لِزَوَالِ إبَّانِهِ (ابْنُ الْمَوَّازِ) أَيَّامُ الْحَجِّ مُعَيَّنَةٌ فَإِذَا فَاتَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْتَرٍ أَيَّامًا بِأَعْيُنِهَا وَلَا يَتَمَادَى وَإِنْ رَضَا ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا إذَا نَقَدَهُ الْكِرَاءَ لِأَنَّ بِذَهَابِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ يَجِبُ فَسْخُ الْكِرَاءِ، وَرَدُّ مَا انْتَقَدَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِي ذَلِكَ رُكُوبًا لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.

(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ لُزُومِ الْكِرَاءِ إذَا رَجَعَ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْعُذْرُ خَاصًّا بِالْمُكْتَرِي أَوْ بِالْمُكْتَرِي وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَامًّا بِحَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَى الْمُكْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِالشَّيْءِ الْمُكْتَرَى لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ تِلْكَ الدَّابَّةِ أَكْرَاهَا لِغَيْرِهِ، أَوْ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ أَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ بِأَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ غَصْبٍ، أَوْ خَوْفٍ فِي طَرِيقٍ، أَوْ لِمَنْعِ السُّلْطَانِ النَّاسَ مِنْ سَفَرٍ مَثَلًا فَإِنَّ الْكِرَاءَ لَا يَلْزَمُ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُكْتَرِي (قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ) مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً، أَوْ شَهْرًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا إيَّاهُ السُّلْطَانُ فَمُصِيبَةُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهَا، وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ (ابْنُ حَبِيبٍ) سَوَاءٌ غَصَبُوا الدَّارَ مِنْ أَصْلِهَا، أَوْ أَخْرَجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا، وَسَكَنُوهَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا السُّكْنَى حَتَّى يَرْتَحِلُوا (ابْنُ حَبِيبٍ) ، وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِغَلْقِهَا لَا كِرَاءَ عَلَى مُكْتَرِيهَا مِنْ رَبِّهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: " الْجَائِحَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي " وَلِابْنِ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقٌ (ابْنُ يُونُسَ) لَيْسَ هَذَا كُلُّهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ الْمُكْتَرِيَ السُّكْنَى مِنْ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ غَاصِبٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَنَعَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ، وَامْتِنَاعِ مَاءِ السَّمَاءِ حَتَّى مَنَعَهُ حَرْثَ الْأَرْضِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا اكْتَرَى نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ.

(تَنْبِيهٌ ثَانٍ) مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي كِرَاءِ حُلِيِّ الْأَعْرَاسِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ فَاسَ وَذَلِكَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُكْتَرِي الْحُلِيَّ لِيَوْمِ الْبِنَاءِ، وَغَدِهِ، وَسَابِعِهِ، وَيُعَيِّنُ عَاشِرَ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ مَثَلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إلَى الثَّانِيَ عَشَرَ، أَوْ الْخَامِسَ عَشَرَ مَثَلًا، وَالْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنْ رَجَعُوا لِعُذْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ كِرَاءٌ، وَلِغَيْرِ عُذْرٍ فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُمْ وَأَمَّا عُقْدَةُ الْكِرَاءِ فَتَنْفَسِخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْكِرَاءِ لِلْيَوْمِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ، وَكَانَ الْمُكْرِي لَمْ يَقْبِضْ الْكِرَاءَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَدَّهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي الْكِرَاءِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>