للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ مَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ أَنْ يَصِلَ نَظَرَهُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ، فَإِنْ كَتَبَ بِثُبُوتِ شَهَادَتِهِمْ فَقَطْ لَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ شَهَادَتِهِمْ وَنَظَرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ، وَإِنْ كَتَبَ بِتَعْدِيلِهِمْ أَوْ بِقَبُولِهِ إيَّاهُمْ أَعْذَرَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِيهِمْ وَإِنْ كَتَبَ أَنَّهُ أَعْذَرَ إلَيْهِ فَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ أَمْضَى الْحُكْمَ عَلَيْهِ ا. هـ. مُخْتَصَرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ فِي الْأَقْضِيَةِ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) لَيْسَ قَوْلُ الْقَاضِي: ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا حُكْمًا مِنْهُ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْهُ ا. هـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ) - سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ - وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ قَوْلُهُمْ: ثَبَتَ عِنْدَنَا مَوْتُ الْخَلِيفَةِ وَخِصْبُ أَرْضِ كَذَا وَثَبَتَ عِنْدَنَا ظُلْمُ فُلَانٍ وَعَدَاوَتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمُوهُ بِالْخَبَرِ وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُدُولِ مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْتَصِبَ إلَيْهِ الْحُكَّامُ وَيَطْلُبَ فِيهِ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامُ، وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَعْنَى بِالثُّبُوتِ لُغَةً حُصُولُ الْأَمْرِ وَتَحَقُّقُهُ اُنْظُرْ كَلَامَهُ إنْ شِئْت. وَإِلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِ قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا حُكْمًا أَوْ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَشَارَ الْإِمَامُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الزَّقَّاقُ بِقَوْلِهِ فِي الْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ:

وَالْحُكْمُ وَالثُّبُوتُ شَيْءٌ اتَّحَدْ ... وَقِيلَ غَيْرَانِ عَلَى ذَا يُعْتَمَدْ

اُنْظُرْ شَرْحَ الشَّيْخِ الْمَنْجُورِ. (قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -)

وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى قَبُولِ مَا ... خَاطَبَهُ الْقَاضِي بِمِثْلٍ أَعْلَمَ

وَلَيْسَ يُغْنِي كَتْبُ قَاضٍ كَاكْتَفَى ... عَنْ الْخِطَابِ وَالْمَزِيدُ قَدْ كَفَى

وَإِنَّمَا الْخِطَابُ مِثْلُ أَعْلِمَا ... إذْ مُعْلِمًا بِهِ اقْتَضَى وَمُعْلَمَا

هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَالْفَصْلُ بَيْنَهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ مُضَمَّنَ مَعْنَاهَا وَحَاصِلَهُ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى فِي زَمَنِ النَّاظِمِ عَلَى قَبُولِ خِطَابِ الْقُضَاةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِقَوْلِهِ أَعْلَمَ بِاسْتِقْلَالِهِ أَوْ ثُبُوتِهِ فُلَانٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَلَا يَكْفِي فِي الْخِطَابِ أَنْ يَقُولَ اكْتَفَى أَوْ ثَبَتَ أَوْ اسْتَقَلَّ وَنَحْوَهَا، وَإِنَّمَا يَكْفِي ذَلِكَ عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْخِطَابُ فَلَا يَكْفِي فِيهِ إلَّا مِثْلُ أَعْلَمَ. . . . إلَخْ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، فَقَوْلُهُ

وَإِنَّمَا الْخِطَابُ مِثْلُ أَعْلَمَا

هُوَ تَكْرَارٌ مَعَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، وَهُوَ إنَّمَا وَبَيَانُ تَوْجِيهِ كَوْنِ اكْتَفَى وَنَحْوِهِ لَا يَكْفِي فِي الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ

إذْ مُعْلِمًا بِهِ اقْتَضَى وَمُعْلَمًا

وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي الْخِطَابِ يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: شَخْصٌ مُعْلِمٌ بِكَسْرِ اللَّامِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَهُوَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ وَالثَّانِي شَخْصٌ مُعْلَمٌ بِفَتْحِهَا وَهُوَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ الْعَكْسُ وَهُوَ فَتْحُ اللَّامِ فِي الْأَوَّلِ وَكَسْرُهَا فِي الثَّانِي وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَمْرٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَعْلَمَ بِهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ، فَضَمِيرُ بِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ لِلْأَمْرِ الْمَعْلُومِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْمُعْلِمُ. وَالْمُعْلَمُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَالْمَجْرُورُ يَتَنَازَعُ فِيهِ مُعْلَمٌ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَاقْتَضَى بِمَعْنَى طَلَبَ وَأَفْهَمَ فَقَوْلُهُمْ فِي الْخِطَابِ أَعْلَمَ بِاسْتِقْلَالِهِ أَوْ بِثُبُوتِهِ فُلَانٌ أَعْلَمَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَالْمِيمِ فِعْلٌ مَاضٍ، وَفَاعِلُهُ هُوَ الِاسْمُ الْمُكَنَّى عَنْهُ بِفُلَانٍ الَّذِي هُوَ الْمُعْلِمُ لِغَيْرِهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَهُوَ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ حُذِفَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا لِلْعُمُومِ عَلَى حَدِّ {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس: ٢٥] أَيْ: جَمِيعَ عِبَادِهِ، وَتَقْدِيرُهُ هُنَا مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ يَعْنِي مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ فَيَشْمَلُ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ لِمَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ.

وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ بِثُبُوتِهِ أَوْ اسْتِقْلَالِهِ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِأَعْلَمَ وَضَمِيرُ ثُبُوتِهِ لِلرَّسْمِ أَيْ أَعْلَمَ كَاتِبَهُ الْوَاقِفَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الرَّسْم يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِاسْتِجْمَاعِهِ شُرُوطِ الْحُكْمِ بِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ وَعَدَم تَوَقُّفِهِ عَلَى غَيْرِهِ. (قَالَ الشَّارِحُ) قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا الْخِطَابُ) الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْخِطَابَ الْمُعْمَلَ بِهِ عِنْدَ الْقُضَاةِ هُوَ أَعْلَمَ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُعْلِمِ وَتَعْيِينِ الْمُعْلَمِ أَوْ اقْتِضَائِهِ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِمَا يُمَاثِلُ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ الِاصْطِلَاحُ إذْ لَيْسَ لَفْظَةُ أَعْلَمَ بِخُصُوصِهَا بِوَاجِبَةٍ الْوُجُوبَ الَّذِي لَوْ تُعُدِّيَ لَبَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ لِوُقُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>