للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتِيَارِ الْقُضَاةِ عَلَيْهَا لِاسْتِيفَائِهَا الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ فِي الْوَضْعِ، وَلَوْ وَقَعَ الِاصْطِلَاحُ مَثَلًا بِسِوَاهَا لَمَا كَانَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا تَقَرَّرَ الِاصْطِلَاحُ بِالْإِعْلَامِ لَزِمَ فَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي خِطَابًا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالْإِعْلَامِ بِصِحَّةِ الْحَقِّ عِنْدَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنْ كَتَبَ صَحَّ الرَّسْمُ عِنْدِي أَوْ ثَبَتَ أَوْ اسْتَقَلَّ وَكَتَبَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَذَلِكَ لَغْوٌ غَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُهُ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ اهـ.

كَلَامُ الشَّارِحِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ لَا يَكْتُبَ الْقَاضِي اسْمَهُ الْمُكَنَّى عَنْهُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ بِفُلَانٍ بِالْكِتَابَةِ الْمَعْهُودَةِ الَّتِي يَقْرَؤُهَا كُلُّ وَاحِدٍ بَلْ يَكْتُبُ بِتَخْلِيطٍ وَتَعْمِيَةٍ وَيُسَمِّي الْعَلَامَةَ، وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يُزَوِّرَ وَيُخَاطِبُ غَيْرُ الْقَاضِي عَلَى لِسَانِهِ، وَكَذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ فِي وَضْعِ الشَّاهِدِ اسْمَهُ فِي الْعَقْدِ لِئَلَّا يَكْتُبَ اسْمَهُ غَيْرُهُ فَيُنْسَبُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ، وَمِمَّا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ وَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى عَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُنَوِّعُهَا فَيَقَعُ الِالْتِبَاسُ فِي شَهَادَتِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ أَنَّ الْخِطَابَ يَكُونُ بِأَعْلَمَ وَبِمِثْلِهِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ خَافَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ لَفْظَ اكْتَفَى وَنَحْوَهُ وَاسْتَقَلَّ وَصَحَّ وَثَبَتَ تَكْفِي فِي الْخِطَابِ بِهَا أَيْضًا، فَرَفَعَ هَذَا الْوَهْمَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ يُغْنِي كَتْبُ قَاضٍ كَاكْتَفَى) الْبَيْتَ. فَالْكَافُ الدَّاخِلَةُ عَلَى اكْتَفَى أَيْضًا اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ مَفْعُولُ كَتْبُ وَكَتْبُ فَاعِلُ يُغْنِي وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ قَاضٍ وَكَمَّلَ بِالْمَفْعُولِ وَهُوَ الْكَافُ أَيْ بِمِثْلِ اكْتَفَى وَصَحَّ وَنَحْوُهُمَا، وَلَيْسَ هُنَا حَرْفٌ بِمَعْنَى لَا النَّافِيَةِ وَعَنْ الْخِطَابِ يَتَعَلَّقُ بِيُغْنِي أَيْ: لَا يُغْنِي عَنْ الْخِطَابِ وَلَا يَكْفِي عَنْهُ الْمُخَاطَبَةُ بِمِثْلِ اكْتَفَى وَنَحْوِهَا، وَلَمَّا نَفَى الِاكْتِفَاءَ بِهِ فِي الْخِطَابِ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى مَا يُفِيدُهُ وَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ، فَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمَزِيدَ قَدْ كَفَى أَيْ إنَّمَا يَكْفِي اكْتَفَى وَثَبَتَ وَنَحْوُهُمَا عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ فَقَطْ، وَلَا يَكْفِي عَنْ الْخِطَابِ.

(قَالَ الشَّارِحُ) مَا جَرَى بِهِ عُرْفُ بَلَدِنَا الْأَنْدَلُسِيَّةِ مِنْ كَتْبِهِمْ اكْتَفَى فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ لَا يَطْلُبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشُهُودٍ زِيَادَةً عَلَى مَا حَصَلَ فِي الْعَقْدِ، وَأَنَّ اللَّفْظ لَا يُغْنِي عَنْ الْخِطَابِ، وَإِنَّمَا يَكْفِي الْمَشْهُودُ لَهُ عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسْمَ قَدْ اسْتَقَلَّ عِنْدَ الْقَاضِي اهـ فَقَوْلُهُ: وَالْمَزِيدَ مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ أَيْ كَفَى لَفْظُ اكْتَفَى وَمَا أَشْبَهَهُ عَنْ زِيَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى مَا حَصَلَ فِي الْعَقْدِ لَا عَنْ الْخِطَابِ فَلَا يَكْفِي عَنْهُ فَالْمَزِيدُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْ الزِّيَادَةُ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ اكْتَفَى وَشِبْهَهُ لَا يَكْفِي عَنْ الْخِطَابِ بَيْنَ مَا يَكُونُ بِهِ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا لَهُ بِقَوْلِهِ:

وَإِنَّمَا الْخِطَابُ مِثْلُ أَعْلِمَا

الْبَيْتَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ فِي إعْمَالِ الْخِطَابِ بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَالَ الشَّارِحُ) وَتَقْيِيدُ الْعَمَلَ بِالْيَوْمِ يُؤْذِنُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَقَدْ كَانَ الْعَمَلُ حَيْثُ حَدَثَ الضَّرْبُ عَلَى الْخُطُوطِ بِاسْتِصْحَابِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْعَمَلُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابِ الْمَخْتُومِ، وَكَانَ الْعَمَلُ الْآنَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْخِطَابِ دُونَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَدِيمًا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابِ الْمَخْتُومِ وَذَلِكَ؛ لِضَرُورَةِ فَقْدِ الْعُدُولِ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ مِنْ نُدُورِ أَحْكَامِ الضَّرْبِ عَلَى الْخَطِّ فَاسْتُحْسِنَ الرُّجُوعُ إلَى الْعَمَلِ الْقَدِيمِ. (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت لَهُ: فَالْقَاضِي إذَا كَتَبَ إلَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ وَعُدِّلُوا وَكَانُوا قَدْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَيَقْبَلُ الْقَاضِي الَّذِي جَاءَهُ الْكِتَابُ الْبَيِّنَةَ الَّتِي فِي الْكِتَابِ، وَيَقْضِي بِهَا قَالَ نَعَمْ اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ فَائِدَتَانِ الْأُولَى فِي قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي ثَلَاثُ نُكَتٍ: أُولَاهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ وَثَانِيهَا: هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ صَنَّفَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَثَالِثُهَا: هَلْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْبَيِّنَةَ أَمْ لَا؟ .

(قَالَ الْمَازِرِيُّ) : مِنْ الْحِكْمَة

وَالْمَصْلَحَة

مَنْعُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ خَوْفَ كَوْنِهِ غَيْرَ عَدْلٍ فَيَقُولُ عَلِمْت فِيمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْبَيِّنَةَ وَقَدْ رَكَّبَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَ: لَا يُقْبَلُ حَتَّى يُسَمِّيَ الْبَيِّنَةَ وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ ثُمَّ قَالَ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنَاصِفِ إنْ ثَبَتَ وَاكْتَفَى وَصَحَّ وَاسْتَقَلَّ كَالْمُتَرَادِفَةِ وَذَكَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخُصُّ اسْتَقَلَّ بِالْعُدُولِ وَاكْتَفَى بِإِثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَثَبَتَ بِمَا عَدَاهُمَا. (وَعَنْ الْعُقْبَانِيِّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>