للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ وَلَا الْمُعْطَى، وَلَهُمْ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ فِي قَبْضِهَا فَيُجِيزَهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهَا اهـ.

وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي الْحَبْسِ أَيْضًا فَفِي مَجَالِسِ الْمِكْنَاسِيِّ أَوَّلَ بَابِ الْحَبْسِ: وَلَيْسَ لِلْمُحَبِّسِ الرُّجُوعُ فِي حُبُسِهِ وَيَلْزَمُ إقْبَاضُهُ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حِيزَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَمُتْ الْمُحَبِّسُ أَوْ بِتَرَاخِي الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فِي الْقَبْضِ حَتَّى فَوَّتَهُ الْمُحَبِّسُ انْتَهَى قَوْلُهُ.

وَمِلْكُهَا بِغَيْرِ إرْثٍ اُتُّقِيَ

يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا وَلَا قَبُولُ هِبَتِهَا إنْ وُهِبَتْ لَهُ إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ جَبْرًا كَأَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى قَرِيبٍ لَهُ فَيَمُوتَ ذَلِكَ الْقَرِيبُ فَيَكُونَ ذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ وَارِثَهُ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَمَلُّكُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي الصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ:

كَذَاكَ مَا وُهِبَ لِلْأَيْتَامِ

الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ مَا وُهِبَ لِنَحْوِ الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ وَأُولِي الْأَرْحَامِ لَا رُجُوعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الصَّدَقَةِ وَعَدَمَ قَصْدِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا ظَاهِرٌ مُتَمَحِّضٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : مَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ صِلَةٍ لِفَقِيرٍ أَوْ يَتِيمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، فَلَا يَجُوزُ رُجُوعٌ فِي ذَلِكَ لِأَبٍ وَلَا لِأُمٍّ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ.

وَاخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَطَ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ فَقِيلَ: لَا رُجُوعَ لِأَنَّ سُنَّتَهَا عَدَمُ الرُّجُوعِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَيَلْحَقُ بِالصَّدَقَةِ فِي عَدَمِ الِارْتِجَاعِ لَوْ وَهَبَ هِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ أَوْ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ مُحْتَاجًا أَوْ صَغِيرًا فِي حَجْرِهِ أَوْ كَبِيرًا نَائِيًا عَنْهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِوَجْهٍ إلَّا بِمِيرَاثٍ (التَّوْضِيحُ) الضَّمِيرُ فِي يَتَمَلَّكُهَا عَائِدٌ عَلَى الصَّدَقَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَصْلُ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِي الْفَرَسِ تَصَدَّقْ بِهِ: وَلَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» (اللَّخْمِيُّ) وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى النَّدْبِ وَحَمَلَهُ الدَّاوُدِيُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَتَخْصِيصُهُ الصَّدَقَةَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ كَالصَّدَقَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَلَا يُكْرِيَهَا وَلَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَأَمَّا الْأَبُ وَالْأُمُّ إذَا احْتَاجَا فَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ ا. هـ.

وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنْ ارْتِجَاعِهَا بِعِوَضٍ قَالَ: لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُعْطَى يَسْتَحْيِي مِنْهُ فَيَحُطُّ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا مَا لَا يَحُطُّ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي ذَلِكَ (قَالَ الشَّارِحُ) : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُنْهَى مُطْلَقًا وَلَوْ وَفَّاهُ الثَّمَنَ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِالْمَظِنَّةِ فَلَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ بِتَخَلُّفِهَا.

(فَرْعٌ) سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ عَمَّنْ وَهَبَ فِي مَرَضِهِ وَضَمِنَ كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ أَوْ الْوَاهِبُ بِحَالِ مَرَضٍ مُزْمِنٍ وَهُوَ مَعَهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ الْمَذْكُورُ فَأَثْبَتَ وَرَثَتُهُ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا فِي تَارِيخِ الْهِبَةِ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَأَثْبَتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَّ الْوَاهِبَ أَصَابَهُ مَرَضٌ مُزْمِنٌ وَاتَّصَلَ بِهِ مُدَّةً مِنْ عَامٍ وَسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا بِطُولِ الْمُدَّةِ إلَى أَنْ وَهَبَ؟ فَأَجَابَ مُنْذُ كَانَ الْوَاهِبُ وَقْتَ الْهِبَةِ مُلْتَزِمًا وَاتَّصَلَ لِلْفِرَاشِ، وَاتَّصَلَ حَالُهُ كَذَلِكَ وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ إفَاقَةٌ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَشْهُرِ الْيَسِيرَةِ؛ فَهِبَتُهُ لِوَرَثَتِهِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَمْرَاضِ أَنَّ مَرَضَهُ كَانَ وَقْتَ أَنْ وَهَبَ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ وَحَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَضٌ آخَرُ تُوُفِّيَ مِنْهُ قَالَهُ فَرَجٌ انْتَهَى مِنْ الشَّارِحِ بِاخْتِصَارٍ.

وَالْأَبُ حَوْزُهُ لِمَا تَصَدَّقَا ... بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى

<<  <  ج: ص:  >  >>