وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُودَعٍ فِيمَا تَلِفْ ... وَفِي ادِّعَاءِ رَدِّهَا مَعَ الْحَلِفْ
مَا لَمْ يَكُنْ يَقْبِضُهُ بِبَيِّنَهْ ... فَلَا غِنًى فِي الرَّدِّ أَنْ يُبَيِّنَهْ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَادَّعَى تَلَفَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا لِرَبِّهَا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ، وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى رَدِّهَا (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ:) ، وَالْمُودَعُ إنْ قَالَ: رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ إلَيْك صُدِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ، وَإِنْ قَالَ: ذَهَبَتْ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِكُلِّ حَالٍ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَزَادَ التَّصْرِيحَ بِالْيَمِينِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَفْظُهُ إذَا طُولِبَ الْمُودَعُ بِالرَّدِّ، فَادَّعَى التَّلَفَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهَا بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ.
فَقَوْلُهُ قَوْلُ مُودَعٍ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ عِنْدَهُ وَ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَلِفْ مَصْدَرِيَّةٌ وَضَمِيرُ رَدَّهَا لِلْوَدِيعَةِ، وَمَعَ الْحَلِفْ رَاجِعٌ لِدَعْوَى التَّلَفِ، وَالرَّدِّ، وَضَمِيرُ يَقْبِضُهُ لِلشَّيْءِ الْمُودَعِ بِبَيِّنَةٍ لِلرَّدِّ أَيْ يُثْبِتُهُ.
وَالْأُمَنَاءُ فِي الَّذِي يَلُونَا ... لَيْسُوا لِشَيْءٍ مِنْهُ يَضْمَنُونَا
كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالدَّلَّالِ ... وَمُرْسَلٍ صُحْبَتَهُ بِالْمَالِ
وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُوَكَّلِ ... وَصَانِعٍ لَمْ يَنْتَصِبْ لِلْعَمَلِ
وَذُو انْتِصَابٍ مِثْلُهُ فِي عَمَلِهْ ... بِحَضْرَةِ الطَّالِبِ أَوْ فِي مَنْزِلِهْ
وَالْمُسْتَعِيرُ مِثْلُهُمْ وَالْمُرْتَهِنْ ... فِي غَيْرِ قَابِلِ الْمَغِيبِ فَاسْتَبِنْ
وَمُودَعٌ لَدَيْهِ وَالْأَجِيرُ ... فِيمَا عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَالْمَأْمُورُ
وَمِثْلُهُ الرَّاعِي كَذَا ذُو الشَّرِكَهْ ... فِي حَالَةِ الْبِضَاعَةِ الْمُشْتَرَكَهْ
وَحَامِلٌ لِلثِّقْلِ بِالْإِطْلَاقِ ... وَضَمِنَ الطَّعَامَ بِالْإِنْفَاقِ
وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينِ ... وَالِاتِّهَامُ غَيْرُ مُسْتَبِينِ
وَقِيلَ مِنْ بَعْدِ الْيَمِينِ مُطْلَقَا ... وَالْأَوَّلُ الْأَوْلَى لَدَى مَنْ حَقَّقَا
عَدَّدَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأُمَنَاءَ وَذَكَرَ أَنَّ حُكْمَهُمْ عَدَمُ ضَمَانِ شَيْءٍ مِمَّا يَلُونَهُ لِأَمَانَتِهِمْ، إمَّا بِالْأَصَالَةِ أَوْ يَجْعَلُ الْخَصْمُ لَهُمْ ذَلِكَ. (فَأَوَّلُهُمْ) : وَلِيُّ الْمَحْجُورِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَوَصِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَ مِنْ تَلَفِ مَالِ مَحْجُورِهِمْ، أَمَّا دَعْوَى الدَّفْعِ بَعْدَ الرُّشْدِ فَلَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ.
(الثَّانِي) : الدَّلَّالُ وَيُقَالُ لَهُ السِّمْسَارُ فِيمَا وَلِيَ بَيْعَهُ وَتَسْوِيقَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ: فِي تَضْمِينِهِمْ ابْنُ رُشْدٍ، وَاَلَّذِي أُفْتِي بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ تَضْمِينُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَشْهُورِينَ بِالْخَيْرِ (ابْنُ رَاشِدٍ) ، وَرَأَيْت بَعْضَ قُضَاةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة ضَمَّنَ السِّمْسَارَ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ النَّاسِ الْعَامَّةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ.
(الثَّالِثُ) : الْمُرْسَلُ مَعَهُ مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ مَا أُمِرَ بِهِ وَيُقَال: فِيهِ الْمُبْضَعُ مَعَهُ مَالٌ أَيْ الَّذِي أُرْسِلَتْ مَعَهُ الْبِضَاعَةُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ.
(الرَّابِعُ) : عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَضْمَنُ مَالَ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ أَيْ الضَّيَاعَ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا