للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسَّفِيهُ الْبَالِغُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إنْ قَصَّرَا وَضَيَّعَا وَضَمِيرُ فِيهِ: الْأَوَّلُ لِلتَّقْصِيرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّضْيِيعُ لِتَلَازُمِهِمَا وَلَامُ لِلسَّفِيهِ أَيْ الْبَالِغِ بِمَعْنَى عَلَى نَحْوِ {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] .

وَضَمِيرُ فِيهِ: الثَّانِي لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ جَرِّ صِفَةِ ضَيَاعٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى التَّضْيِيعِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَشَرْطُهَا كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ (التَّوْضِيحُ) أَيْ مَنْ جَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يُودِعَ، وَيُودَعَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ كَالْمُوَكِّلِ وَالْمُودَعِ أَيْ بِالْفَتْحِ كَالْوَكِيلِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) .

فَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ، فَأَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَذِنَ أَهْلُهُ (التَّوْضِيحُ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ قَدْ سَلَّطَ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ (اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ) إلَّا أَنْ يَصْرِفَا ذَلِكَ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ، وَلَهُمَا مَالٌ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَتْلَفَاهُ أَوْ مِمَّا صَوَّنَا مِنْ مَالِهِمَا (اللَّخْمِيُّ) ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْمَالُ، ثُمَّ أَفَادَ غَيْرُهُ لَمْ يَتْبَعْهُمَا فِيهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ، هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. وَآخِرُهُ بِالْمَعْنَى (تَنْبِيهٌ) ، لَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ إلَخْ، أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَضْمَنُ مَا اسْتَعَارَ، وَادَّعَى ضَيَاعَهُ، وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ فِي الْحَجْرِ

وَكُلُّ مَا أَتْلَفَهُ الْمَحْجُورُ ... فَغُرْمُهُ مِنْ مَالِهِ الْمَشْهُورُ

إلَّا لِمَنْ طَوْعًا إلَيْهِ صَرَفَهْ ... وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ

وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَالتَّجْرُ بِالْمُودَعِ مَنْ أَعْمَلَهُ ... يَضْمَنُهُ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ

يَعْنِي، أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ يَتَّجِرُ بِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا إنْ هَلَكَتْ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ إنْ حَصَلَ فِيهَا لَا لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا وَقْتَ التَّجْرِ بِهَا مِنْهُ وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِنْ تَجِرَ بِهَا يَعْنِي الْوَدِيعَةِ كَانَ لَهُ الرِّبْحُ يَعْنِي بِضَمَانِهِ. اهـ.

(وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَمَنْ تَجِرَ بِوَدِيعَةٍ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالرِّبْحُ لَهُ، إنْ كَانَتْ عَيْنًا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهَا: قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ عَيْنًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَرْضًا مُقَوَّمًا كَانَ التَّجْرُ بِهَا حَرَامًا قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْمَنْجُورُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمَنْهَجِ:

وَالرِّبْحُ تَابِعٌ لِمَالٍ مَا عَدَا ... غَصْبًا وَدِيعَةً وَتَفْلِيسًا بَدَا

قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّمَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ، كَمَا هُوَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَرُدَّهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ فَاعْرِفْهُ. اهـ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) إنْ رَدَّ الْمَالَ بَعْدَمَا رَبِحَ فِيهِ بَرِئَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>