للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ مَعْ ظُهُورِ ... مَخَايِلِ التَّضْيِيعِ وَالتَّقْصِيرِ

وَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِلسَّفِيهِ ... وَلَا الصَّغِيرِ مَعْ ضَيَاعٍ فِيهِ

تَكَلَّمَ هُنَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ اسْمًا وَمَصْدَرًا، فَالِاسْمُ الْوَدِيعَةُ، وَالْمَصْدَرُ الْإِيدَاعُ أَيْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَاهُمَا فَحَدُّهَا مَصْدَرًا (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ (قَالَ الرَّصَّاعُ) : وَإِنَّمَا قَالَ مُجَرَّدُ حِفْظٍ وَلَمْ يَقُلْ حِفْظٌ لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ نَقْلُ الْحِفْظِ مَعَ التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ، فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ فَقَطْ، وَيُخْرِجُ الْإِيصَاءَ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مِلْكٍ إذَا أَوْدَعَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِحِفْظِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَدِيعَةً، وَقَوْلُهُ: يُنْقَلُ صِفَةٌ لِلْمِلْكِ، وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُنْقَلُ مِنْ الْأُصُولِ كَالرَّبْعِ. اهـ. ثُمَّ بَحَثَ فِي اشْتِرَاطِ النَّقْلِ بِمَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرُهَا صِحَّةُ إيدَاعِ الرَّبْعِ، فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، قَالَ: الرَّصَّاعُ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ إيدَاعُ الْوَثَائِق، فَذِكْرُ الْحُقُوقِ يُخْرِجُ حِفْظَ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَأَزْيَدَ مِنْ الْحِفْظِ وَقَدْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ: إنَّ خَاصِّيَّتَهَا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ، وَحَدُّهَا اسْمًا: مُتَمَلَّكٌ نُقِلَ مُجَرَّدُ حِفْظِهِ يَنْتَقِلُ. اهـ. وَيُفْهَمُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِّ مِنْ مَعْنَى الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ، وَقَوْلُهُ يَنْتَقِلُ صِفَةٌ لِمُتَمَلَّكٍ، ثُمَّ قَالَ الرَّصَّاعُ مَا مَعْنَاهُ إنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الِاسْمَ عَلَى الْمَصْدَرِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِمْ: الْوَدِيعَةُ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُحَرَّمَةً؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الِاسْمِيُّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ابْنُ عَرَفَةُ هُنَا حَدُّهَا اسْمًا كَذَا وَمَصْدَرًا كَذَا كَمَا هِيَ عَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَصْلُهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ، وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا وَلَا اسْمَ مَصْدَرٍ، وَلَكِنْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهَا قَصْدُ الْمَصْدَرِ كَانَ حَدُّهَا كَذَا، وَإِنْ أُرِيدَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ كَانَ حَدُّهَا كَذَا، فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مَصْدَرًا أَوْ اسْمَ مَصْدَرٍ قَالَ: حَدُّهَا اسْمًا كَذَا، وَحَدُّهَا مَصْدَرًا

كَذَا قَوْلُهُ:

وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ مَعَ ظُهُورِ

الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْمُودَعَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ إذَا هَلَكَتْ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ التَّضْيِيعِ لَهَا وَالتَّقْصِيرِ فِي حِفْظِهَا، فَيَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ، وَعَطَفَ النَّاظِمُ التَّقْصِيرَ عَلَى التَّضْيِيعِ كَأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُتَلَازِمَيْنِ، وَمَثَّلُوا التَّقْصِيرَ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَ الْغَيْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنَقْلِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَخَلْطِهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَقَمْحٍ بِشَعِيرٍ، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، فَهَلَكَتْ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ هَذَا فِي حَقِّ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>