للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ عَرْصَةٌ تُسَاوِي ثَمَنًا مُعْتَبَرًا ثُمَّ بَعْدَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ حَبَسَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ الْعَرْصَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى بَنِيهِ الذُّكُورِ وَعَقِبِهِمْ وَهُوَ إذْ ذَاكَ سَاكِنٌ بِمِصْرِيَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُحْبِسُ الْمَذْكُورُ فَاسْتَظْهَرَ بَاقِي وَرَثَتِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْبِيسِ الْمَذْكُورِ سَاكِنًا فِيهَا إلَى أَنْ مَاتَ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفَسَخَ الْحَبْسَ الْمَذْكُورَ وَصَارَتْ الْعَرْصَةُ مِلْكًا تُبَاعُ وَتُشْتَرَى فَهَلْ يَدْخُلُ الْأَحْفَادُ الْمُنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ أَبِيهِمْ فِي الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا لِكَوْنِ التَّنْزِيلِ وَصِيَّةً وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا عَلِمَهُ الْمُوصِي وَرُجُوعُ الْعَرْصَةِ مِلْكًا كَمَالٍ حَدَثَ لِلْمُوصِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ أَوَّلَ نَوَازِلِ الْوَصَايَا وَأَحْكَامِ الْمَحَاجِيرِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي سَعِيدٍ عُثْمَانَ بْنِ مَنْظُورٍ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَلْ يَدْخُلُ الْمُوصَى لَهُمْ فِيمَا بَطَلَ وَفَسَدَ مِنْ الْهِبَاتِ أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ: تَأَمَّلْتُ - حَفِظَ اللَّهُ أُخُوَّتَكُمْ - السُّؤَالَ الْوَاقِعَ فِي قَضِيَّةِ بَنِي رِزْقٍ وَأَحْضَرْتُ أَهْلَ الشُّورَى فَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ فِيمَا فَسَدَ مِنْ الْهِبَةِ يَجْرِي فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمْ الدُّخُولَ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمَوْهُوبِ تَحْتَ يَدِ الْوَاهِبِ حَتَّى مَاتَ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُمْ وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ الْوَاهِبِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِهِ بَعْدُ حَتَّى مَاتَ فَدَخَلَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ كَمَا دَخَلَتْ فِي سَائِرِ مُمْتَلَكَاتِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْهِبَةِ إنَّمَا حَصَلَ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الْمَوْهُوبُ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ حَدَثَ لِلْمُوصِي بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْوَصِيَّةِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلَمْ تُحَزْ عَنْهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَكَانَ قَدْ عَهِدَ بِالثُّلُثِ وَعَلَّلَ الدُّخُولَ بِعَدَمِ الْحَوْزِ لِلْمُتَصَدِّقِ بِهِ وَعَدَمُهُ بِأَنَّ الْإِبْطَالَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ إبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِالْمَوْتِ كَمَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوصِي.

وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ وَغَيْرُهُ فِيهَا الْخِلَافَ وَزَادَ اللَّخْمِيُّ فَنَقَلَ اخْتِلَافًا فِي دُخُولِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوصِي مِنْ مَالِهِ فِي وَصِيَّتِهِ وَلِمَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى وُجُودِ الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي لَمْ تُحَزْ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهَا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ افْتَرَقُوا فِي الِاخْتِيَارِ فَمِنْهُمْ مِنْ اخْتَارَ الدُّخُولَ وَمِنْهُمْ مِنْ اخْتَارَ عَدَمَهُ وَتَأَكَّدَ عِنْدِي الْقَوْلُ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِمَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْوَاهِبِ كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى تِلْكَ الْأَمْلَاكِ الْمَوْهُوبَةِ يَسْتَغِلُّهَا وَيَمْنَعُ الْمَوْهُوبَ لَهُمْ مِنْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ وَهَذَا الْفِعْلُ مِمَّا يُوهِنُ الْهِبَةَ وَيُصَيِّرُهَا كَأَنْ لَمْ تَكُنْ. انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي دُخُولِ الْمُوصَى لَهُمْ فِيمَا بَطَلَ مِنْ الْهِبَاتِ يَجْرِي فِيمَا بَطَلَ مِنْ الْمُحْبَسَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِجَامِعِ اخْتِلَالِ شَرْطِهِمَا وَهُوَ الْحَوْزُ وَاخْتِلَالُهُ إمَّا حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا إذَا بَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ وَاهِبِهِ أَوْ مُحْبِسِهِ حَتَّى مَاتَ وَإِمَّا حُكْمًا فَقَطْ كَمَا إذَا حِيزَ مُدَّةً لَا تَكْفِي فِي الْحَوْزِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَلَمْ أَقِفْ فِيهَا الْآنَ عَلَى نَصٍّ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِبْطَالَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ كَمَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا يُجْرَى فِي هَذِهِ مَا عَلَّلُوا بِهِ الدُّخُولَ مِنْ عَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَصُحِّحَتْ لِوَلَدِ الْأَوْلَادِ ... وَالْأَبُ لِلْمِيرَاثِ بِالْمِرْصَادِ

يَعْنِي أَنَّهَا تَصِحُّ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَعَنْ وُجُودِ الْوَلَدِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ:

وَالْأَبُ لِلْمِيرَاثِ بِالْمِرْصَادِ

أَيْ: يَرْصُدُ مِيرَاثَ أَبِيهِ الْمُوصِي وَيَرْتَقِبُهُ (ابْنُ يُونُسَ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانُوا غَيْرَ وَرَثَةٍ اهـ.

(وَاعْلَمْ) أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ اتَّسَعَ فِيهَا الْكَلَامُ وَاخْتَلَفَتْ فِيهَا الْأَفْهَامُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَجْمُوعَةً فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ كُتُبِ الْأَحْكَامِ، فَجَمَعْت مِنْهَا مَا حَضَرَنِي وَالْتَقَطْت مِنْهَا مَا وَسِعَنِي وَهَذَّبْته وَرَتَّبْته فَسَرَّنِي فَأَقُولُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالتُّكْلَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>