- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ. اهـ.
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ لِتَقَعُّدِهِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يُنْجِيهِ مِنْ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ إلَّا حَمِيلٌ غَارِمٌ وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ. اهـ. وَإِلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَخِيرِ فَقَوْلُهُ: فَبِالْأَدَا أَيْ إنْ أَتَى بِضَامِنٍ فَيَكُونُ بِالْمَالِ لَا بِالْوَجْهِ.
وَقَوْلُهُ:
حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا
هُوَ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ
فَالضَّرْبُ وَالسِّجْنُ عَلَيْهِ أَبَدًا
وَقَوْلُهُ: وَلَا الْتِفَاتَ عِنْدَ ذَا أَيْ عِنْدَ تَقَعُّدِهِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَيَدَّعِي ذَهَابَهَا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ سُرِقَ مَالُهُ وَلَا احْتَرَقَ بَيْتُهُ وَلَا نَزَلَتْ بِهِ مُصِيبَةٌ فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْعَدَمِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَمُبَيِّنَةٌ صِفَةٌ لِبَيِّنَةٍ وَلِمَا ادَّعَى يَتَعَلَّقُ بِمُبَيِّنَةٍ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَنْ ثَبَتَ فَقْرُهُ وَعُلِمَ بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ أَدَبًا لَهُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ وَلَدُهُ وَمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ. اهـ نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ.
وَحَيْثُمَا يُجْهَلُ حَالُ مَنْ طُلِبْ ... وَقُصِدَ اخْتِبَارُهُ بِمَا يَجِبْ
فَحَبْسُهُ مِقْدَارَ نِصْفِ شَهْرِ ... إنْ يَكُنْ الدَّيْنُ يَسِيرَ الْقَدْرِ
وَالْحَبْسُ فِي تَوَسُّطٍ شَهْرَانِ ... وَضِعْفُ ذَيْنِ فِي الْخَطِيرِ الشَّانِ
وَحَيْثُ جَاءَ قَبْلُ بِالْحَمِيلِ ... بِالْوَجْهِ مَا لِلسِّجْنِ مِنْ سَبِيلِ
لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَدِينِ الَّذِي عُلِمَ حَالُهُ مِنْ كَوْنِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا غَيْرَ مُعْدِمٍ أَوْ مُعْدِمًا أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمَدِينِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ وَقَسَّمَهُ إلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَجْهُولُ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تُهْمَةٍ لَحِقَتْهُ وَبِهِ بَدَأَ فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا قُصِدَ اخْتِبَارُهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ وَيَخْتَلِفُ مِقْدَارُ حَبْسِهِ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ الدَّيْنِ وَقِلَّتِهِ فَيُحْبَسُ مِقْدَارَ نِصْفِ شَهْرٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسِيرًا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ كَالدُّرَيْهِمَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ الْمَالَ الْخَطِيرَ جِدًّا فَإِنَّهُ يُحْبَسُ لِلِاخْتِبَارِ شَهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا جِدًّا وَهُوَ الَّذِي كَنَّى عَنْهُ بِالْخَطِيرِ الشَّأْنِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ لِلِاخْتِبَارِ أَيْضًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنَحْوَهُمَا ضِعْفَ مَا قَبْلُهُ يَلِيهِ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ الْمَدِينُ الْمَذْكُورُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ فَإِنْ أَتَى بِهِ لَمْ يُسْجَنْ وَاخْتُبِرَ حَالُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَسْجُونٍ فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ مَا يُوجِبُ سَجْنًا سُجِنَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ فَهُوَ مِمَّنْ يَنْبَغِي إنْظَارُهُ.
فَقَوْلُهُ: وَحَيْثُ جَاءَ قَبْلَ سَجْنِهِ وَلَيْسَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْيِينِ مُدَّةِ حَبْسِهِ أَمْرًا لَازِمًا لَا يُتَعَدَّى بَلْ هُوَ مِمَّا وُكِّلَ لِاجْتِهَادِ الْقَاضِي فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْآجَالِ الْمَوْكُولَةِ لِاجْتِهَادِ الْقُضَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ مَجْهُولِ الْحَالِ مَنْ لَحِقَتْهُ تُهْمَةٌ إمَّا بِكَوْنِهِ أَخْفَى مَالَهُ قَصْدًا لِحِرْمَانِ غُرَمَائِهِ وَإِمَّا بِكَوْنِهِ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَزَعَمَ تَلَفَهَا وَيَأْتِي حُكْمُهُ وَهُوَ السِّجْنُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ
وَالْحَبْسُ لِلْمُلِدِّ وَالْمُتَّهَمِ
الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَحَبْسُ الْمِدْيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهِ أَحَدُهَا: حَبْسُ تَلَوُّمٍ وَاخْتِبَارٍ فِيمَنْ جُهِلَ حَالُهُ، وَالثَّانِي: مَنْ أَلَدَّ وَاتُّهِمَ بِأَنَّهُ أَخْفَى مَالًا وَغَيَّبَهُ.
وَالثَّالِثُ: حَبْسُ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَتَقَعَّدَ عَلَيْهَا وَادَّعَى الْعُدْمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ سَبَبٌ أَذْهَبَ مَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فَأَمَّا حَبْسُ التَّلَوُّمِ وَالِاخْتِبَارِ فِي الْمَجْهُولِ الْحَالِ فَبِقَدْرِ مَا يَسْتَوِي أَمْرُهُ وَيُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ.
وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَيُحْبَسُ فِي الدُّرَيْهِمَاتِ الْيَسِيرَةِ قَدْرَ نِصْفِ شَهْرٍ وَفِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفِي الْوَسَطِ شَهْرَيْنِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْجَنُ عَلَى وَجْهِ اخْتِبَارِ حَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ الَّذِي يُسْجَنُ مِنْ أَجْلِهِ وَأَمَّا حَبْسُ مَنْ أَلَدَّ وَاتُّهِمَ بِأَنَّهُ أَخْفَى مَالًا وَغَيَّبَهُ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يُثْبِتَ عُدْمَهُ فَيَحْلِفُ وَيُسَرَّحُ.
قَالَ (الشَّارِحُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَاخْتَصَرْتُ نَقْلَهُ هُنَا قُلْتُ وَكَذَلِكَ فَعَلْنَا نَحْنُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنْ سَأَلَ الْمَحْبُوسُ لِلتَّلَوُّمِ وَالِاخْتِبَارِ أَنْ يُعْطَى حَمِيلًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَلَا يُحْبَسُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُحْبَسُ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ إنْ كَانَ بِالْوَجْهِ أَوْ بِالْمَالِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ بِالْوَجْهِ دُونَ الْمَالِ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُرِيدُ حَمِيلًا بِإِحْضَارِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَجِبُ سِجْنُهُ فِيهَا لِاخْتِبَارِ حَالِهِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ عِنْدَمَا بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَحُبِسَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ مَالًا حَتَّى يُؤَدِّيَ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مَالٌ