أُطْلِقَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ الْحَمِيلُ غَرِمَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَدِيمٌ مِنْ أَجْلِ الْيَمِينِ اللَّازِمَةِ لَهُ. اهـ.
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَحْبُوسِينَ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَالثَّانِي يَأْتِي فِي قَوْلِهِ:
وَالْحَبْسُ لِلْمُلِدِّ وَالْمُتَّهَمِ
الْبَيْتَيْنِ، وَالثَّالِثُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
أَوْ مَنْ عَلَى الْأَمْوَالِ قَدْ تَقَعَّدَا
الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ، وَيَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا سُجِنَ إلَى أَنْ يَمُوتَ فِي قَوْلِهِ:
وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلَى الْمَالِ إلَى ... أَدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقَلَا.
وَسِلْعَةُ الْمِدْيَانِ رَهْنًا تُجْعَلُ ... وَبَيْعُهَا عَلَيْهِ لَا يُعَجَّلُ
وَحَقُّهُ مَعَ ذَاكَ أَنْ يُؤَخَّرَا ... بِحَسَبِ الْمَالِ لِمَا الْقَاضِي يَرَى
أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ إنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَلَهُ سِلْعَةٌ يُمْكِنُ بَيْعُهَا بِسُرْعَةٍ فَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنْ تُبَاعَ وَطَلَبَ صَاحِبُهَا أَنْ لَا تَفُوتَ عَلَيْهِ وَتُوضَعَ رَهْنًا وَيُؤَجَّلَ أَيَّامًا يَنْظُرُ فِي الدَّيْنِ فَقَالَ إنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَجْعَلَ السِّلْعَةَ رَهْنًا وَيُؤَجَّلَ فِي إحْضَارِ الْمَالِ بِقَدْرِ قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَمَا لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْحُكْمُ وَمَضَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ اهـ.
قَالَ الشَّارِحُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَةٍ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُنْقَدَ ثَمَنُهَا يُضَيِّقُ فِي اقْتِضَائِهِ عَلَى مُبْتَاعِهَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ بَائِعُهَا مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ لِجَلْبِ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا إنْ فُسِخَ لِمُبْتَاعِهَا فِي التَّقَاضِي. اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْمِدْيَانِ وَهُوَ الْمُعْسِرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْدِمٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ:
أَوْ مُعْسِرٌ قَضَاؤُهُ إضْرَارُ ... فَيَنْبَغِي فِي شَأْنِهِ الْإِنْظَارُ
وَقَوْلُهُ هُنَا: مَعَ ذَاكَ، أَيْ: مَعَ جَعْلِ سِلْعَتِهِ رَهْنًا، وَبِحَسَبِ، وَلِمَا يَتَعَلَّقَانِ بِيُؤَخَّرَا، وَجُمْلَةُ يَرَى صِلَةُ مَا.
وَالْحَبْسُ لِلْمُلِدِّ وَالْمُتَّهَمِ ... إلَى الْأَدَاءِ أَوْ ثُبُوتِ الْعَدَمِ
وَلَيْسَ يُنْجِيهِ مِنْ اعْتِقَالِ ... إلَّا حَمِيلٌ غَارِمٌ لِلْمَالِ
وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلَى الْمَالِ إلَى ... أَدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقَلَا
تَقَدَّمَ أَنَّ حَبْسَ الْمِدْيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ حَبْسُ مَنْ أَلَدَّ وَاتُّهِمَ بِأَنَّهُ أَخْفَى مَالًا وَغَيَّبَهُ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ مِثْلُ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يَثْبُتَ عَدَمُهُ فَيَحْلِفُ وَيُسَرَّحُ زَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَإِنْ سَأَلَ الْمَحْبُوسُ لِلَّدَدِ وَالتُّهْمَةِ أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا بِوَجْهِهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ عُدْمُهُ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّضْيِيقَ بِالسِّجْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ رَجَاءَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُسْجَنَ أَعْطَى حَمِيلًا غَارِمًا لَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْغُرْمَ إثْبَاتُهُ لِلْغَرِيمِ الْمَطْلُوبِ الْعُدْمَ. اهـ. وَقَوْلُ النَّاظِمِ: وَالْمُتَّهَمِ؛ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْعَطْفِ أَنَّ الْمُتَّهَمَ غَيْرُ الْمُلِدِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُصَرِّحْ النَّاظِمُ بِوُجُوبِ حَلِفِهِ إذَا ثَبَتَ عُدْمُهُ وَكَأَنَّهُ رَآهُ ظَاهِرًا.
وَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ إلَى تَمَامِ حُكْمِ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَتَقَعَّدَ عَلَيْهَا وَادَّعَى الْعُدْمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ:
وَمَنْ عَلَى الْأَمْوَالِ قَدْ تَقَعَّدَا
الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ وَزَادَ أَنَّهُ يُطَالُ سَجْنُهُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ يَمُوتَ فِي السِّجْنِ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ:
حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا
إذْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ يَمُوتُ فِي السِّجْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَالْبَيْتُ تَكْرَارٌ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ تَمَامَ أَقْسَامِ حَبْسِ الْمِدْيَانِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ.
وَغَيْرُ أَهْلِ الْوَفْرِ مَهْمَا قَصَدَا ... تَأْخِيرَهُ وَبِالْقَضَاءِ وَعَدَا
مُكِّنَ مِنْ ذَاكَ بِضَامِنٍ وَإِنْ ... لَمْ يَأْتِ بِالضَّامِنِ بِالْمَالِ سُجِنْ
وَمَنْ لَهُ وَفْرٌ فَلَيْسَ يُضْمَنُ ... فَإِنْ قَضَى الْحَقَّ وَإِلَّا يُسْجَنُ
وَأَوْجَبَ ابْنُ زَرْبٍ أَنْ يُحَلَّفَا ... مَنْ كَانَ بِاكْتِسَابِ عَيْنٍ عُرِفَا