للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعَجْزِهِ عَنْ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ قَالَ وَالْأَعَمُّ قِيَامُ ذِي دَيْنٍ عَلَى مَدِينٍ لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ. قَوْلُهُ: حُكْمُ الْحَاكِمِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّفْلِيسَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمٍ فَأُطْلِقَ التَّفْلِيسُ عُرْفًا عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ خَلْعِ الْمَالِ غَيْرُ الْحُكْمِ بِهِ وَإِنَّمَا التَّفْلِيسُ هُوَ الْحُكْمُ بِالْخَلْعِ لَا ثُبُوتُ الْخَلْعِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ خَلْعُ كُلِّ الْمَالِ الْحُكْمَ بِأَدَاءِ مَالٍ وَغَيْرِهِ.

وَقَوْلُهُ: لِمَدِينٍ صِلَةُ مَا وَلِغُرَمَائِهِ يَتَعَلَّقُ بِمَدِينٍ أَوْ بِخَلْعٍ وَلِعَجْزِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ، وَأُخْرِجَ خَلْعُ كُلِّ مَالِهِ بِاسْتِحْقَاقِ عَيْنِهِ وَإِذَا اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ مِنْ الْمُفْلِسِ وَاقْتَسَمُوهُ فَهُوَ تَفْلِيسٌ أَخَصُّ وَالْحَدُّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي السَّمَاعِ أَنَّهُ كَتَفْلِيسِ السُّلْطَانِ وَلَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ تَفْلِيسًا، وَقَوْلُهُ: فِي حَدِّ الْأَعَمِّ قِيَامُ إلَخْ مُنَاسِبٌ لِإِطْلَاقِ التَّفْلِيسِ عَلَى قِيَامِ الْغُرَمَاءِ وَبَاقِيهِ ظَاهِرٌ فِي إخْرَاجِهِ وَإِدْخَالِهِ وَمِنْ خَاصِّيَّةِ الْأَعَمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبَرُّعٌ وَلَا مُعَامَلَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا مُحَابَاةٌ إلَّا مَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ وَالْأَخَصُّ يَمْنَعُ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْأَعَمُّ وَيَمْنَعُ مُطْلَقَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.

(قَالَ الرَّصَّاعُ) : رَأَيْتُ لِتِلْمِيذِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْوَانُّوغِيِّ أَنْ قَالَ اُنْظُرْ حَدَّ شَيْخِنَا التَّفْلِيسَ الْأَعَمَّ وَالْأَخَصَّ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ حَدَّ الْأَعَمِّ لَا بُدَّ أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَى حَدِّ الْأَخَصِّ وَفِي تَعْرِيفِ الشَّيْخِ لَيْسَ كَذَلِكَ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْتَ.

وَمَنْ بِمَالِهِ أَحَاطَ الدَّيْنُ لَا ... يَمْضِي لَهُ تَبَرُّعٌ إنْ فَعَلَا

وَإِنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا فِي أَمْرِهِ ... تَشَاوُرٌ فَلَا غِنًى عَنْ حَجْرِهِ

وَحَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونِ ... إذْ ذَاكَ كَالْحُلُولِ بِالْمَنُونِ

تَقَدَّمَ أَنَّ التَّفْلِيسَ أَعَمُّ وَأَخَصُّ وَأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْمَدِينِ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ هِيَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا وَتَحِلُّ دُيُونُهُ إذْ ذَاكَ كَمَا تَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ

وَإِنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا فِي أَمْرِهِ

الْبَيْتَيْنِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ جَعَلَ التَّفْلِيسَ الْأَعَمَّ هُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ، وَالنَّاظِمُ جَعَلَهُ إحَاطَةَ الدَّيْنِ بِمَالِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ وَجَعَلَ أَيْضًا التَّفْلِيسَ الْأَخَصَّ هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ وَالنَّاظِمُ جَعَلَهُ تَشَاوُرَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ فِي أَمْرِ الْمُفْلِسِ وَمَا نَسَبْتُهُ لِلنَّاظِمِ مِنْ جَعْلِهِ التَّفْلِيسَ الْعَامَّ هُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِ الْغَرِيمِ وَالْخَاصَّ تَشَاوُرَ الْغُرَمَاءِ فِي أَمْرِ الْمُفْلِسِ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي طُرَرِهِ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْفَلَسُ عَدَمُ الْمَالِ وَالتَّفْلِيسُ خَلْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ وَالْمُفْلِسُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَلَسِ ثُمَّ قَالَ: وَحَدُّ التَّفْلِيسِ الَّذِي يَمْنَعُ قَبُولَ إقْرَارِهِ هُوَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَيَسْجُنُوهُ أَوْ يَقُومُوا عَلَيْهِ فَيَسْتَتِرُ عَنْهُمْ فَلَا يَجِدُوهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ نَقْلِهِ لِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ مَا نَصُّهُ إذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمَنْقُولَ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ اتَّضَحَ لَك أَنَّ لِمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ: (الْحَالَةُ الْأُولَى) : مَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ أَشَارَ إلَيْهَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ثُمَّ ذَكَرَ فُرُوعَ هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ وَسَفَرِهِ إنْ حَلَّ بِغَيْبَةٍ وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ أَوْ كُلِّ مَا بِيَدِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ.

(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) : تَفْلِيسٌ عَامٌّ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>