للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا التَّعَدِّي فَقَالَ الرَّصَّاعُ قَالَ الْمَازِرِيُّ مِنْ غَيْرِ الْغَصْبِ وَأَحْسَنُ مَا مُيِّزَ بِهِ عَنْهُ أَنَّ التَّعَدِّيَ هُوَ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ الْحَقِّ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ أَوْ إتْلَافُهُ أَوْ بَعْضِهِ دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ. فَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا، وَقَوْلُهُ: دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَخْرَجَ بِهِ الْغَصْبَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ (إتْلَافُهُ) هَذَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ التَّعَدِّي وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْضِهِ. زَادَهُ لِيُدْخِلَ فِيهِ هَلَاكَ بَعْضِ الشَّيْءِ، وَقَوْلُهُ: دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَخْرَجَ بِهِ الْغَصْبَ أَيْضًا. (قَالَ الرَّصَّاعُ) : وَبَعْدَ أَنْ قَيَّدْتُ هَذَا مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ رَأَيْتُ تَرْجَمَةَ التَّعَدِّي فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ فِيهِ: التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ.

قَوْلُهُ:

وَغَاصِبٌ يَغْرَمُ مَا اسْتَغَلَّهُ

الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَاسْتَغَلَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْغَلَّةِ الَّتِي اسْتَغَلَّ مِنْهُ، وَيَرُدُّ أَيْضًا نَفْسَ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ، فَإِنْ تَلِفَ بِيَدِ الْغَاصِبِ غَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ:) وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِحَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالَهُ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، أَوْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إنْ كَانَ فَائِتًا، إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ آحَادُهُ كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهُ. اهـ وَهَذَا إذَا تَلِفَ رَأْسًا وَأَمَّا إنْ تَعَيَّبَ، وَلَمْ يَتْلَفْ فَفِي الرِّسَالَةِ مَا حَاصِلُهُ، أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَقْصِهِ، أَوْ تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِتَعَدِّيهِ خُيِّرَ رَبُّهُ أَيْضًا بَيْنَ أَخْذِهِ أَوْ أَخْذِ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ.

أَمَا وُجُوبُ رَدِّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا رَدُّ الْغَلَّةِ فَقَالَ الْإِمَامُ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَةِ: وَيَرُدُّ الْغَاصِبُ الْغَلَّةَ وَلَا يَرُدُّهَا غَيْرُ الْغَاصِبِ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: وَتَحْصِيلُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْغَلَّاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: غَلَّةٌ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَخِلْقَتِهِ كَالْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ مَعَ الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ الْأُمِّ. الثَّانِي غَلَّةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ خِلْقَتِهِ وَهَيْئَتِهِ كَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ وَفِيهَا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ لِضَمَانِهِ وَلِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ.» الثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ قِيمَتَهَا إنْ ادَّعَى تَلَفَهَا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ: مَعَ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ. وَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْغَلَّةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْغَلَّةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ.

الثَّالِثُ: الْغَلَّةُ الَّتِي هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ وَهِيَ الْأَكْرِيَةُ وَالْخَرَاجَاتُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يُكْرِيَ أَوْ يَنْتَفِعَ أَوْ يُعَطِّلَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إنْ أَكْرَى وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ انْتَفَعَ أَوْ عَطَّلَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ أَكْرَى أَوْ انْتَفَعَ وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ عَطَّلَ. الْخَامِسُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا اغْتَلَّ مِنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ بَقَائِهَا وَقِيَامِهَا، وَأَمَّا مَا اغْتَلَّ مِنْهَا بِتَصَرُّفٍ، وَتَفْوِيتُهَا وَتَحْوِيلُ عَيْنِهَا كَالدَّنَانِيرِ يَغْصِبُهَا فَيَغْتَلُّهَا بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَالطَّعَامِ يَزْرَعُهُ فِي أَرْضِهِ، فَالْغَلَّةُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ إلَى غَصْبِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْغَلَّةِ الَّتِي قَصَدَ إلَى غَصْبِهَا؛ سَوَاءٌ أَكْرَى أَوْ انْتَفَعَ أَوْ عَطَّلَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُزَالُ بِهِ أَوْ مِمَّا لَا يُزَالُ بِهِ.

اهـ وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ آخِرَ بَابِ الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ: وَلَا غَلَّةَ لِلْغَاصِبِ وَيَرُدُّ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ انْتَفَعَ. مَا نَصُّهُ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ وُجُوبُ رَدِّ الْغَاصِبِ الْغَلَّةَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبُ رَبْعًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ اسْتَغَلَّهَا أَوْ اسْتَعْمَلَهَا وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ رَدِّ الْغَلَّةِ مُطْلَقًا رَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الذَّوَاتِ إنَّمَا هُوَ حُصُولُ مَنَافِعِهَا فَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْغَاصِبُ الْغَلَّةَ لَمَا كَانَ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ سِوَى فَائِدَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَغْصُوبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ تَتْمِيمٌ لِغَرَضِ الْغَاصِبِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ اخْتِصَاصُ الضَّمَانِ بِغَلَّةِ الرِّبَاعِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ دُونَ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ سَلَكَ مَسْلَكَ الْمُقَابَلَةِ فَجَعَلَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>