بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ وَهُمْ بِالْعِرَاقِ أَوْ بِالْيَمَنِ كَيْفَ يَكُونُ عَقْلُ مَا جَنَاهُ مِنْ الْقَتْلِ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ إذَا انْقَطَعَ الْبَدَوِيُّ إلَى الْحَضَرِ فَسَكَنَ الْحَضَرَ عُقِلَ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يُعْقَلُ أَهْلُ الْحَضَرِ مَعَ أَهْلِ الْبَدْوِ وَلَا أَهْلُ الْبَدْوِ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يُعْقَلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ وَلَا أَهْلُ الشَّامِ مَعَ أَهْلِ مِصْرَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ مَسْكَنُهُ مِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ مِصْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ يَحْمِلُ جِنَايَةً ضُمَّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَى قَوْمِهِ فَيَحْمِلُونَ جَرِيرَتَهُ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْبَدْوِيَّ لَا يَدْخُلُ مَعَ الْحَضَرِيِّ وَلَا الْحَضَرِيُّ مَعَ الْبَدَوِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ دِيَةُ إبِلٍ وَدَنَانِيرَ أَوْ إبِلٍ وَدَرَاهِمَ أَوْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ فَهُمْ أَجْنَادٌ قَدْ جُنِّدَتْ فَكُلُّ جُنْدٍ عَلَيْهِمْ جَرَائِرُهُمْ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَجْنَادِ. اهـ وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ وَحُكْمُ تَنْجِيمٍ وَجَبَ فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ أَيْ دِيَةَ الْخَطَأِ لَا تُعْطَى حَالَّةً بَلْ مُنَجَّمَةً فَإِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَتُنَجَّمُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ثُلُثُهَا آخِرَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ وَلَا مِنْ يَوْمِ الْخِصَامِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْكَامِلَةِ فَقِيلَ: تَكُونُ حَالَّةً. وَالْمَشْهُورُ التَّنْجِيمُ فَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ كَمَا فِي الْجَائِفَةِ وَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ كَمَا فِي جَائِفَةٍ وَآمَّةٍ.
وَأَمَّا إنْ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ وَالسُّدْسُ الْبَاقِي فِي سَنَةٍ أَيْضًا. وَكَذَا إنْ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَلِلثُّلُثَيْنِ سَنَتَانِ وَلِنِصْفِ السُّدْسِ الْبَاقِي سَنَةٌ أَيْضًا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْمَشْهُورُ التَّنْجِيمُ بِالْأَثْلَاثِ وَلِلزَّائِدِ سَنَةٌ فَالنِّصْفُ وَالرُّبُعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَنُجِّمَ فِي النِّصْفِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ ثُمَّ لِلزَّائِدِ سَنَةٌ. وَإِنَّمَا أَخَّرْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهَا فَلَمْ يَصْلُحْ تَوْزِيعُ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَكَوْنُهَا مِنْ مَالِ جَانٍ إنْ تَكُنْ ... أَقَلَّ مِنْ ثُلْثٍ بِذَا الْحُكْمُ حَسُنْ
كَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفِ ... تُؤْخَذُ أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفِ
يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ تُؤَدِّيهَا مُنَجَّمَةً إنَّمَا ذَلِكَ بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ إمَّا الدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ بَعْضُهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثَ الدِّيَةِ سَوَاءٌ بَلَغَ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا إذَا قَطَعَ مُسْلِمٌ إصْبَعَيْ مُسْلِمَةٍ فَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ فَالْوَاجِبُ فِي أُصْبُعَيْهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ.
وَالْعِشْرُونَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا بِالْأَصَالَةِ الَّتِي هِيَ خَمْسُونَ، وَثُلُثُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثُلُثَ دِيَةِ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ قَطَعَ لَهَا أُصْبُعًا وَاحِدَةً فَالْوَاجِبُ عَشْرٌ، وَتَكُونُ عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَحَالَّةً لَا مُنَجَّمَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ ثَابِتَةً بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِاللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ أَمَّا إنْ ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ فَعَلَى الْجَانِي حَالَّةً أَيْضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفٍ تُؤْخَذُ. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ وَالْجَانِي عَاقِلٌ بَالِغٌ فَذَلِكَ حَالٌّ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ غَيْرِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ عَمْدَهُمَا كَالْخَطَأِ إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ صَرَّحَ بِكَوْنِهَا فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهَا حَالَّةً غَيْرَ مُنَجَّمَةٍ، وَبِذَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ وَ (الْحُكْمُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (حَسُنَ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَوْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute