هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْعَاقِلَةَ هِيَ الْعَصَبَةُ. (ابْنُ الْجَلَّابِ) : قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا. (ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) : وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِسْلَامِ وَكَانُوا يَتَعَاقَلُونَ بِالنُّصْرَةِ فَجَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَعَلَ عُمَرُ الدِّيوَانَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ أَشْهَبُ بِشَرْطِ قِيَامِ الْعَطَاءِ أَيْ إنَّمَا يُلْحَقُ بِشَرْطِ قِيَامٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ وَبَيْتُ الْمَالِ. (التَّوْضِيحُ) أَيْ لِمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَا يَرِثُونَهُ يَعْقِلُونَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَبْدَأُ بِأَهْلِ الدِّيوَانِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى مَعُونَةٍ أَعَانَهُمْ عَصَبَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دِيوَانٍ فَعَصَبَتُهُ وَيَبْدَأُ بِالْفَخِذِ ثُمَّ الْبَطْنِ ثُمَّ الْعِمَارَةِ ثُمَّ الْفَصِيلَةِ ثُمَّ الْقَبِيلَةِ ثُمَّ أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَمَوَالِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَبَيْتُ الْمَالِ إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا.
وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَأَهْلُ إقْلِيمِهِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ ثُمَّ يَضُمُّ الْأَقْرَبَ الَّذِي مِنْ كُوَرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَأَهْلُ ذَلِكَ الصُّلْحِ. (التَّوْضِيحُ) : هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَحَاصِلُهُ الْبَدْءُ، بِالْأَقْرَبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَاجِعٌ إلَى اللُّغَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَوْثَرٍ وَابْنُ أَبِي جَمْرَاءَ فِي وَثَائِقِهِمَا عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ حَدَّ الْعَاقِلَةِ سَبْعُمِائَةٍ يَنْتَمُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ. وَفِي الْبَيَانِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ إذَا كَانَتْ الْعَاقِلَةُ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَلْفًا، فَهُمْ قَلِيلٌ وَيُضَمُّ لَهُمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ اهـ. وَإِلَى بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
تَحْمِلُهَا عَاقِلَةٌ لِلْقَاتِلِ ... وَهِيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ
ثُمَّ قَالَ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ: يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِاللَّوْثِ مَعَ الْقَسَامَةِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: حَيْثُ ثُبُوتُ قَتْلِهِ بِالْبَيِّنَةِ الْبَيْتَ.
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاعْتِرَافِ الْجَانِي، فَذَلِكَ فِي مَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذَا. (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا اعْتِرَافًا بِهِ. (ابْنُ شَاسٍ) : وَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي حَمَلَهُ، وَلَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ لَهُ، وَتَكُونُ حَالَّةً. وَقَوْلُهُ: يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى. رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَهِيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ. وَقَوْلُهُ: بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ. أَيْ مِنْ غَنِيٍّ وَدُونَهُ، فَيُوَظِّفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَضْرِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ مَا يَضُرُّ بِمَالِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ بِقَدْرِهِ وَمِمَّنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ. اهـ ثُمَّ أَشَارَ إلَى شُرُوطِ مَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
مِنْ مُوسِرٍ مُكَلَّفِ حُرٍّ ذَكَرْ
فَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُضْرَبُ عَلَى فَقِيرٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا تُضْرَبُ عَلَى فَقِيرٍ وَلَا عَلَى مُخَالِفٍ فِي الدِّينِ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ. اهـ
وَزَادَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِيمَنْ لَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْمَجْنُونَ وَالْغَارِمَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مَا بِيَدِهِ، وَيَفْضُلُ لَهُ مَا يَكُونُ بِهِ فِي عِدَادِ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا شَيْءَ بِيَدِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ. اهـ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
مُوَافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرٍّ
إلَيَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ أَنْ يَكُونُوا مُتَّفِقِينَ فِي النِّحْلَةِ أَيْ فِي الْمَنْحُولِ وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يُنْحَلُ وَيُعْطَى فِي الدِّيَةِ بِحَيْثُ يَكُونُونَ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ إبِلٍ، أَوْ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ ذَهَبٍ، أَوْ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ فِضَّةٍ أَيْ وَرِقٍ فَلَا يَدْخُلُ بَدْوِيٌّ ذُو إبِلٍ مَعَ حَضَرِيٍّ ذِي ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَدْخُلُ شَامِيٌّ مَثَلًا مَعَ مِصْرِيٍّ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَهْلَ ذَهَبٍ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفِي مَقَرٍّ. أَيْ فِي مَوْضِعِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى. وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ قَبِيلَةً وَاحِدَةً، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ: لِأَنَّ السَّاكِنَ بِمَحَلٍّ غَيْرِ مَحَلِّ الْقَاتِلِ لَا تَلْزَمُهُ. اهـ وَقَدْ جَمَعَ النَّاظِمُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ، وَفِي الْمَقَرِّ مَعَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي الْمَقَرِّ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِي النِّحْلَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَقَرِّ، كَالشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ مَعَ أَنَّهُمَا مَعًا أَهْلُ ذَهَبٍ، فَالِاتِّفَاقُ فِي الْمَقَرِّ كَافٍ عَنْ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا دُخُولَ لِلْبَدَوِيِّ مَعَ الْحَضَرِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ قَبِيلَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ كَمَا لَا يَدْخُلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ. وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ وَيُعَدُّ كَالْمَعْدُومِ.
(التَّوْضِيحُ) : هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إبِلٌ وَعَيْنٌ وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ قَالَ: وَيُخْرِجُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ مَا يَلْزَمُهُمْ إبِلًا وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَيُخْرِجُ أَهْلُ الْقُرَى حِصَّتَهُمْ عَيْنًا وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ لَيْسَ مِنْهُمْ ا. هـ
(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ جَنَى جِنَايَةً بِمِصْرَ وَلَيْسَ