للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَفِي الْهَاشِمَةِ كَذَلِكَ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَكَذَا فِي الْجَائِفَةِ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَ إنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَمَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ وَعَيْبٍ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ، وَهِيَ تَقْدِيرُهُ عَبْدًا فَرْضًا وَتَقْدِيرًا وَيُقَوَّمُ سَالِمًا وَمَعِيبًا وَتُحْفَظُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَتِلْكَ النِّسْبَةُ هِيَ اللَّازِمَةُ لِلْجَانِي مِنْ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.

وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ ... وَخَمْسَةٌ دِيَتُهَا مَعْلُومَهْ

أَيْ وَخَمْسَةٌ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ دِيَتُهَا أَيْ الْوَاجِبُ فِيهَا مَعْلُومٌ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ فَسَّرَهَا وَذَكَرَ مَا يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَالَ: وَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ فِي الْمُوضِحَةِ إلَخْ فَالْمُوضِحَةُ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلْجُرْحِ وَمُوضِحَةُ آخِرِ الْبَيْتِ فَاعِلٌ مُؤَنَّثٌ أَيْ مُبِينَةٌ وَكَاشِفَةٌ لِعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ. زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ وَالْجَبْهَةِ. وَقَوْلُهُ: كَذَا الْمُنَقِّلَةُ عُشْرٌ بِهَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ تَخْفِيفًا مِنْ ضَمٍّ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ عَشْرٍ وَيَصِحُّ فَتْحُ الْعَيْنِ ضِعْفُ خَمْسَةٍ، وَكَذَا يَجُوزُ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ نِصْفُ عُشْرٍ إلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا يَجْرِيَانِ فِي دِيَةِ الْإِبِلِ وَأَمَّا دِيَةُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِمَا إلَّا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالشِّينِ، إلَّا أَنْ تُخَفَّفَ الشِّينُ بِالسُّكُونِ لِلْوَزْنِ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِيَجْرِيَ فِي الْجَمِيعِ.

وَقَوْلُهُ مُعَدِّلَهْ. أَيْ أَنَّ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ يَعْدِلُ جُرْحَ الْمُنَقِّلَةِ وَيُسَاوِي جِنَايَتَهَا، وَيَعْنِي بِالْمَوْضِعَيْنِ الرَّأْسَ وَالْجَبْهَةَ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ يَجِبُ فِيهَا، وَلَوْ صَغُرَتْ جِدًّا كَإِبْرَةٍ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَالْمُوضِحَةُ مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ وَلَوْ بِقَدْرِ إبْرَةٍ، وَكَسْرَ مَفْعُولُ تَوَلَّتْ وَالْهَاشِمَةُ الْأُولَى فِي الْبَيْتِ اسْمٌ لِلْجُرْحِ وَهَاشِمَةٌ الثَّانِيَةُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَشَمَ إذَا كَسَرَ كَسْرًا بَلِيغًا ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ فِي الْهَاشِمَةِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ. الثَّانِي: الْحُكُومَةُ لَا غَيْرُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا الْأَوَّلُ. وَقَوْلُهُ: وَمَا انْتَهَتْ لِلْجَوْفِ أَيْ وَصَلَتْ إلَيْهِ يَعْنِي إمَّا مِنْ الْبَطْنِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ وَمَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَانْتَهَتْ صِلَتُهَا وَكَذَاكَ خَبَرُ مَا أَيْ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةُ وَجُمْلَةُ وَهِيَ الْجَائِفَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ.

وَقَوْلُهُ: الْأُولَى أَيْ الْمَأْمُومَةُ مُبْتَدَأٌ وَكَاشِفَةٌ خَبَرُهُ وَالدِّمَاغَ مَفْعُولُ كَاشِفَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجِرَاحَاتِ فِي جِرَاحِ الرَّأْسِ مَا عَدَا الْجَائِفَةَ. وَقَوْلُهُ:

وَلِاجْتِهَادِ حَاكِمٍ مَوْكُولٌ ... فِي غَيْرِهَا التَّأْدِيبُ وَالتَّنْكِيلُ

يَعْنِي أَنَّ التَّأْدِيبَ وَالتَّنْكِيلَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ بِقَدْرِ عِظَمِ الْجِنَايَةِ وَخِفَّتِهَا وَاعْتِيَادِ الْجَانِي لِذَلِكَ وَوُقُوعِهِ فَلْتَةً. وَضَمِيرُ وَغَيْرِهَا الْجِرَاحُ الْخَطَأُ وَغَيْرِهَا هِيَ جِرَاحُ الْعَمْدِ فَالْأَدَبُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لَا بُدَّ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ مِنْ تَأْدِيبِ الْقَاضِي لِلْجَارِحِ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُقْتَصَّ. اهـ وَقَوْلُهُ: وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ إلَخْ. لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْحُكُومَةِ فِي قَوْلِهِ:

وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ

احْتَاجَ إلَى بَيَانِهَا فَذَكَرَهُ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَالتَّقْوِيمَ مَفْعُولٌ لِجَعَلَ، وَفِي كَوْنِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ " وَحَالَةُ " فَاعِلُ " تَزِيدُ " أَيْ عَلَى حَالَةِ الْعَيْبِ يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِي حَالَةَ كَوْنِهِ أَرْشًا لِجُرْحِهِ.

وَلَفْظُهُ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ: فَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ دِيَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. اهـ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ قَالَ:

يَأْخُذُهُ أَرْشًا لِمَا قَدْ ذَامَهْ

لَكَانَ أَكْثَرَ فَائِدَةً؛ لِأَنَّ (ذَامَهْ) مُرَادِفٌ لِ (عَابَهُ) .

وَتَثْبُتُ الْجِرَاحُ لِلْمَالِ بِمَا ... يَثْبُتُ مَالِيُّ الْحُقُوقِ فَاعْلَمَا

وَفِي ادِّعَاءِ الْعَفْوِ مِنْ وَلِيِّ دَمْ ... أَوْ مِنْ جَرِيحٍ الْيَمِينُ تُلْتَزَمْ

اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) أَنَّ الْجِرَاحَ تَثْبُتُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ وَهُوَ عَدْلٌ أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ أَوْ امْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَجِرَاحَاتِ الْخَطَأِ أَتَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدْنَ مَعَ رَجُلٍ عَلَى مُنَقِّلَةٍ عَمْدًا أَوْ مَأْمُومَةٍ عَمْدًا جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ لَا قَوَدَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا فِيهِمَا الدِّيَةُ. اهـ

وَعَلَّلَ النَّاظِمُ ثُبُوتَ الْجِرَاحِ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ بِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهَا مَالًا؛ لِقَوْلِهِ: لِلْمَالِ. فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ يَتَعَلَّقُ بِ (تَثْبُتُ) وَيَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>