هُوَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ، فَالشَّهَادَةُ عَلَى الْحُكْمِ شَهَادَةٌ عَلَى مُسْتَنِدِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ: نَقَصَ النَّاظِمُ مِمَّا عَدَّهُ الْجَزِيرِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ تَحْتَ هَذَا الْقِسْمِ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي إجَابَةِ الْقَسَامَةِ مِمَّا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ، فَأَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا قَصْدًا لِلِاخْتِصَارِ. اهـ.
يَعْنِي ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ
وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ ... قَسَامَةٌ بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ
وَفِي هَذَا الْجَوَابِ مَا لَا يَخْفَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذَا الْمَحِلِّ جَمْعُ النَّظَائِرِ، وَهِيَ أَوْجَهُ لِلشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَقُّ مَعَ الْيَمِينِ، فَعَدَمُ ذِكْرِ بَعْضِهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَإِنْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُفِيتُ الْمَقْصُودَ الْمَذْكُورَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَجَابَ بِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ لَكَانَ أَقْرَبَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ النَّظَائِرِ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَهَا هُنَا عَنْ شَاهِدٍ قَدْ يُغْنِي ... إرْخَاءُ سِتْرٍ وَاحْتِيَازُ رَهْنِ
وَالْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَوَانْ ... تَكَافَأَتْ بَيِّنَتَانِ فَاسْتَبِنْ
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَأْبَى الْقَسَمَا ... وَفِي سِوَى ذَلِكَ خُلْفٌ عُلِمَا
وَلَا يَمِينَ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعِي ... بَعْدُ وَيُقْضَى بِسُقُوطِ مَا اُدُّعِيَ
هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الْمُنْدَرِجَةِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، وَهُوَ الشَّاهِدُ الْعُرْفِيُّ، وَمُثِّلَ لَهُ بِأَمْثِلَةٍ خَمْسَةٍ: الْأَوَّلُ: إرْخَاءُ السِّتْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا خَلَا الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ أَيْ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَادَّعَتْ الْمَسِيسَ وَأَنْكَرَهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) .
وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ هُوَ مُرَادُ عُلَمَائِنَا بِإِرْخَاءِ السُّتُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إرْخَاءَ سِتْرٍ وَلَا إغْلَاقَ بَابٍ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ، ثُمَّ قَالَ فِي تَوْجِيهِ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمَرْأَةِ: لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْوَطْءِ أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَلَا بِامْرَأَتِهِ أَوَّلَ خَلْوَةٍ، مَعَ الْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالتَّشَوُّفِ إلَيْهَا قَلَّ مَا يُفَارِقُهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا. اهـ.
فَإِرْخَاءُ السِّتْرِ قَائِمٌ لِلزَّوْجَةِ فِي دَعْوَى الْمَسِيسِ مَقَامَ الشَّاهِدِ، فَتَحْلِفُ مَعَهُ وَتَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ كَامِلًا، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَهَا بَيْنَ أَنْ يَقُومَ بِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ كَأَنْ تَكُونَ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ لَا، (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ مَعَ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ إلَّا عَلَى مَنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصَّالِحُ فَلَا (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ الْمَغْصُوبَةُ تَحْمِلُ بِبَيِّنَةٍ وَتَدَّعِي الْوَطْءَ، لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا بِيَمِينٍ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِرَجُلٍ وَهِيَ تَرَى أَنَّ لَهَا الصَّدَاقَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ، وَاخْتَارَ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الصَّدَاقُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ لِإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ إثْبَاتِ الزِّنَا، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ بِاحْتِمَالِ الْمَغْصُوبَةِ اثْنَانِ. اهـ.
(الْمِثَالُ الثَّانِي) مِنْ أَمْثَالِ الشَّاهِدِ الْعُرْفِيِّ حَوْزُ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ فَإِنَّهُ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ وَيَكُونُ لَهُ مَا قَالَ (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي مَبْلَغِ الدَّيْنِ فَالرَّهْنُ كَشَاهِدٍ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَازَهُ وَثِيقَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالتَّدَاعِي لَا يَوْمَ التَّرَاهُنِ مِثْلَ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ فَأَكْثَرَ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ مَعَ يَمِينِهِ (، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ) وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مَا قَالَ الرَّاهِنُ فَأَقَلَّ لَمْ يَحْلِفْ، إلَّا الرَّاهِنُ وَحْدَهُ. اهـ (الْمِثَالُ الثَّالِثُ) لِلشَّاهِدِ الْعُرْفِيِّ الْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَيْ: الْحَوْزُ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ لَهُ أَوْ، الْحَوْزُ مَعَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَنْ كَانَ حَائِزَ الدَّارِ مَثَلًا، يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، فَقَامَ عَلَيْهِ مَنْ ادَّعَى مِلْكِيَّتَهَا وَلَا