للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ كُلُّ مَنْ قُضِيَ لَهُ عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مَيِّتٍ أَوْ طِفْلٍ يَحْلِفُ لَمْ يَقْتَضِ، وَلَمْ يَضَعْ وَلَمْ يَحِلَّ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الْقَضَاءِ، وَالْأَصْلُ فِي يَمِينِ الْمُنْكِرِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْأَصْلُ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بِالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» .

وَتُهْمَةٌ إنْ قَوِيَتْ بِهَا تَجِبْ ... يَمِينُ مَتْهُومٍ وَلَيْسَ تَنْقَلِبْ

لَمَّا ذَكَرَ أَقْسَامَ الْيَمِينِ مُجْمَلَةً أَرَادَ الْآنَ ذِكْرَهَا مُفَصَّلَةً يَذْكُرُ أَحْكَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ تَجِبُ إنْ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ، وَلَا تَجِبُ مَعَ ضَعْفِهَا، وَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَنْقَلِبُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُحَقِّقْ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُكَلَّفُ بِالْحَلِفِ عَلَى مَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ (فَقَدْ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ يَمِينِ التُّهْمَةِ فَقَالَ: أَمَّا يَمِينُ التُّهْمَةِ وَهِيَ الدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تُحَقَّقْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي لُحُوقِهَا ابْتِدَاءً وَاخْتُلِفَ إذَا لَحِقَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَلْحَقُ هَلْ تَرْجِعُ، أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا تَجِبَ الْيَمِينُ إلَّا بِتَحْقِيقِ الدَّعْوَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَإِيجَابُهَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْأَظْهَرُ إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَجِبُ أَنْ يَحِقَّ الْحَقُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ دُونَ أَنْ تَرْجِعَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، إذْ لَا يُكَلَّفُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُ، وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ فِي هَذَا أَنْ تَلْحَقَ يَمِينُ التُّهْمَةِ إذَا قَوِيَتْ، وَتَسْقُطُ إذَا ضَعُفَتْ وَلَا تَرْجِعُ إذَا لَحِقَتْ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : مُعْتَمَدُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَيْتِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ. .

وَلِلَّتِي بِهَا الْقَضَا وُجُوبُ ... فِي حَقِّ مَنْ يُعْدَمُ أَوْ يَغِيبُ

وَلَا تُعَادُ هَذِهِ الْيَمِينُ ... بَعْدُ وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهَا حِينُ

اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ: بَيَانُ بَعْضِ مَنْ تَجِبُ فِي حَقِّهِ يَمِينُ الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ: إذَا حَلَفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ اقْتِضَاؤُهُ لِلدَّيْنِ فَهَلْ تُعَادُ أَمْ لَا فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ (الْأُولَى) فَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَوْجَبُوا يَمِينَ الْقَضَاءِ عَلَى طَالِبِ مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُرَادُهُ بِمَنْ يُعْدَمُ أَوْ غَابَ احْتِيَاطًا عَلَى أَمْوَالِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ لِكَوْنِهِمَا فِي الْحَالِ لَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ مِنْهُمَا، إمَّا مُطْلَقًا كَالْمَيِّتِ، أَوْ مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْغَائِبِ وَشِبْهِهِ فَقَدَّرَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَرْضِ حُضُورِهِمَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَضَى غَرِيمَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَإِنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ الطَّالِبِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.

(وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ إذَا حَلَفَ هَذِهِ الْيَمِينَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ ثَانِيَةً، وَلَا يُطَالَبُ بِإِعَادَتِهَا، وَإِنْ مَرَّ عَلَى ذَلِكَ حِينٌ وَزَمَانٌ مَا لَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبُهَا مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّكِّ فِي بَاقِي الْحَقِّ مِثْلَ: مَا عُرِضَ أَوَّلًا فَإِنَّهَا تَجِبُ ثَانِيًا، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِعَوْدَةِ الْغَائِبِ مِنْ مَغِيبِهِ، وَإِقَامَتِهِ مُدَّةً بَعْدَ حَلِفِ طَالِبِهِ مَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْحُكْمِ، ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُ غَيْبَةٌ ثَانِيَةٌ فَإِنَّ يَمِينَ الْقَضَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>