بِالْجَلْجَلَةِ فَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَكَثِيرٌ مَا كَانُوا يَنْكُلُونَ عَنْ الْيَمِينِ بِهَا وَيُسْتَخْرَجُ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ عِنْدَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا كَانَ ظَاهِرَ الْعَزْمِ عَلَى الْيَمِينِ دُونَهَا، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رَأْيِ اللَّخْمِيِّ الْإِرْهَابُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْتِ نَارِ الْمَجُوسِيِّ. .
وَمَا كَمِثْلِ الدَّمِ وَاللِّعَانِ ... فِيهِ تَحَرِّي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ
يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ كَمِثْلِ: الدِّمَاءِ، وَاللِّعَانِ، وَالْمَالِ الْعَظِيمِ فَإِنَّهُ تُغَلَّظُ فِيهِ الْيَمِينُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مَعًا، فَيُزَادُ فِي التَّغْلِيظِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى مَا بَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ اعْتِبَارُ الزَّمَانِ أَيْضًا، (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) عَنْ الْبَاجِيِّ: وَقَدْ يُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ، رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يَتَحَرَّى فِي أَيْمَانِهِمْ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ، وَالدِّمَاءِ، وَاللِّعَانِ وَقْتًا يَحْضُرُهُ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فِي كُلِّ حِينٍ. اهـ وَالْمَقْصُودُ فِي الْبَيْتِ التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا بِالْمَكَانِ فَلَيْسَ إلَّا الْجَامِعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ أَوْ الْقَضَا ... أَوْ مُنْكِرٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ رِضَا
يَعْنِي أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) يَمِينُ التُّهْمَةِ وَهِيَ اللَّازِمَةُ فِي الدَّعْوَى غَيْرِ الْمُحَقَّقَةِ، وَفِي تَوَجُّهِهَا خِلَافٌ يَأْتِي.
(الثَّانِي) يَمِينُ الْقَضَاءِ اسْتَحْسَنَهَا الْفُقَهَاءُ احْتِيَاطًا عَلَى حِفْظِ مَالِ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ إمَّا فِي الْحَالِ كَالْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، أَوْ فِي الْمَآلِ كَالْمَيِّتِ، فَهِيَ لِرَدِّ دَعْوَى مُقَدَّرَةٍ لَا حَاصِلَةٍ أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى الْغَرِيمِ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَقِّ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الِاسْتِحْقَاقِ الْوَاجِبَةُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ، فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى صَيْرُورَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ هِبَةً، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، قَالَ الشَّارِحُ: أَوَّلَ فَصْلِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ.
(الثَّالِثُ) : يَمِينُ الْمُنْكِرِ الَّتِي فِي مُقَابَلَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي مُحَقِّقًا لِدَعْوَاهُ.
(الرَّابِعُ) : يَمِينُ الْقَائِمِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَفَائِدَةُ تَعْدَادِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يُمَيِّزَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِثْلُ: كَوْنِهَا تُقْلَبُ أَوْ لَا، أَوْ تَجِبُ أَوْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ اللَّاحِقَةِ لَهَا حَسْبَمَا يَتَّضِحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ -. وَالْأَصْلُ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَيَمِينِ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمْ الِاسْتِحْسَانُ حَسْبَمَا يَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ وَلِغَيْرِهِ فِيهِمَا، وَمِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute