اللَّخْمِيِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ اللَّخْمِيَّ بَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: أَثَرُ تَعْلِيلِ اللَّخْمِيِّ إجْزَاؤُهَا بِأَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ، مَا نَصُّهُ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ أَنْ تُجْزِئَ فِي الْحُقُوقِ لِاخْتِصَاصِ يَمِينِ الْخُصُومَةِ بِالتَّغْلِيظِ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ (فَرْعٌ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَوَهَبَهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، فَشَهِدَ لِلْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَالْيَمِينُ الَّتِي مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: لَا أَحْلِفُ وَيَنْتَفِعُ غَيْرِي، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ. اهـ.
وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْيَهُودِ ... مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ لِلتَّشْدِيدِ
كَمَا يَزِيدُ فِيهِ لِلتَّثْقِيلِ ... عَلَى النَّصَارَى مُنْزِلِ الْإِنْجِيلِ
وَجُمْلَةُ الْكُفَّارِ يَحْلِفُونَ ... أَيْمَانَهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ
يَعْنِي: أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ زَادَ فِي يَمِينِ الْيَهُودِ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى، وَفِي يَمِينِ النَّصَارَى يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ الْإِنْجِيلِ عَلَى عِيسَى لِقَصْدِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ وَالتَّخْوِيفِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّثْقِيلِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ أَنْ لَا يَزِيدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقُولُ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ، وَيَكُونُ حَلِفُهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْ كَنَائِسِهِمْ، وَمَوَاضِعِ تَعْظِيمِهِمْ.
(قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ) قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: " يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصَارَى بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ الْإِنْجِيلِ عَلَى عِيسَى، قَالَ: وَمِنْ الْكُفَّارِ مَنْ لَا يَحْلِفْ بِمَا يَحْلِفْ بِهِ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يُقِرُّ بِهِ أَهْلُ التَّوْحِيدِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ دِينِهِ لِيَمِينٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَيُحْتَاطُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ مَا لَيْسَ يُخْرِجُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، وَلَا يَحْلِفُ بِكُفْرِهِ "، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فَلَاعَنَتْ فَقَالَتْ: أَقُولُ وَالنَّارِ وَلَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ. وَأَرَى يَمِينَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى مَا رَوَى الْوَاقِدِيُّ حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ حَلَفَ بِحَقٍّ، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ، وَزَادَ فِي يَمِينِ الْيَهُودِيِّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؛ لِأَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ، وَفِي يَمِينِ الْمَجُوسِيِّ بِاَللَّهِ إنْ أَطَاعَ حَسَنٌ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالْحَقِّ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَيُرْهَبُ بِالْيَمِينِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَظِّمُهُ مِنْ دِينِهِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِخْرَاجِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْهَبَ عَلَيْهِ بِالْمَوْضِعِ فَيَحْلِفُ فِي بَيْتِ نَارِهِ، وَيَحْلِفُ الْآخَرُونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَلَا بَيْنَ الْيَمِينِ بِمَا يُعَظِّمُونَ. اهـ.
وَاسْتَشْكَلَ الشَّارِحُ هَذَا الْقَوْلَ، (الْمُدَوَّنَةُ) لَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي حَقٍّ أَوْ لِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِاَللَّهِ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، أَوْ الْإِنْجِيلَ (ابْنُ مُحْرِزٍ) وَظَاهِرُهَا أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (ابْنُ شَبْلُونٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُوَحِّدُونَ وَلَا يُكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَحْلِفُونَ الْيَمِينَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إيمَانًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو عُلَمَائِنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِحْلَافُ الْمَجُوسِ بِاَللَّهِ وَهُمْ يَنْفُونَ الصَّانِعَ. (عِيَاضٌ) فَرَّقَ غَيْرُ ابْنِ شَبْلُونٍ بَيْنَ الْيَهُودِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ (الْمُدَوَّنَةُ) يَحْلِفُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ، وَيَحْلِفُ الْمَجُوسُ فِي بَيْتِ نَارِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ الْآبِدِيُّ - حَفِظَهُ اللَّهُ - أَيَّامَ اسْتِخْلَافِهِ عَلَى قَضَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالْحَضْرَةِ يُغَلِّظُ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْهُ اللَّدَدَ مِنْ الْيَهُودِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ غَرِيمُهُ ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْيَهُودُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute