للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"، وفي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – قال، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم –: "خُيِّرْتُ بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفى، أترونها للمتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين، الخطائين، المتلوثين (١) ".

وخلاصة الكلام: إن وعيد الله ذي الجلال والإكرام، لأهل المعاصي والآثام مقيد بشرطين عند أهل السنة الكرام: عدم توبة المذنبين، وعدم عفو أرحم الراحمين، وقد وافق المعتزلة على الأمر الأول، وقيدوا به أخبار الوعيد المطلقة في العصاة والفسقة، لثبوته بأدلة منفصلة محققة، والأمر الثاني كالأول تماماً فهو ثابت بأدلة منفصلة، وقوة تلك الأدلة تساوي قوة أدلة الأمر الأول، فالأخذ بأحدهما ونبذ الآخر تفريق بين متماثلين، وذلك شطط في القول، وسفاهة في العقل، وهو مسلك الزائغين الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ولذلك حكم الإمام أبو عمرو بن العلاء على إمام المعتزلة السفهاء بأنه أعجم القلب، لا يعي كلام الرب، وإليك تلك المناظرة التي دارت بينهما.

قال عمر بن عبيد إمام المعتزلة: قولي في أصحاب الكبائر: إن الله وعد وعداً، وأوعد إيعاداً، فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده، فقال له أبو عمرو بن العلاء: إمام أهل السنة الأتقياء: إنك رجل أعجم، لا أقول أعجم اللسان، ولكن أعجم القلب، إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤماً، وعن الإيعاد كرماً، وأنشد:

ولا يرهبُ ابنُ العم – ما عشتُ – سطوَتي ... ولا يَخْتَشي من سَطوَةِ المُتَهَدّدِ


(١) - انظر سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب في الشفاعة –: (٢/١٤٤١) ، ورواه الإمام أحمد في المسند: (١/٧٥) ، والبيهقي في الاعتقاد: (٩٦) ، والطبراني ثلاثتهم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – ورجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (١٠/٣٧٨) .