قد حارب جفنه الرقاد فليس بينهما صلح. ودجى عليه ليل الفراق فلم يتبلج له صبح شعر
وطال عليّ الليل حتى كأنه ... من الطول موصول به الدهر أجمع
لا يزال يسامر النجوم والقمر. وياسور الهموم والفكر. وتتلاعب فيه لواعج الأشواق تلاعب الصوالج بالاكر. وينشد إذا هجع النوام وطلب المسعد على السمر
أيها النائمون حولي أعينو ... ني على الليل حسبة وائتجارا
حدثوني عن النهار حديثاً ... وصفوه فقد نسيت النهارا
كيف لا ينسى النهار. وينكر سائر الأغيار. من لم يرتسم في مرآة تصوره غلا تصور تلك الذات. ولا يجول في فكره إلا تذكره سابق تلك الأيام المستلذات. ولا يغير وده لقادم العهد. ولا يسوغ أن يسيغ ماء السلو ولو أداه تعطشه إلى اللحد
ولي نفس حر لو بذلت لها على ... تناسيك ما فوق المنى ما تناست
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ... إذ طالما غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أرواحنا بدلاً ... عنكم ولا انصرفت فيكم أمانينا
وليس عهدكم عهد الغمام فما ... كنتم لأرواحنا إلاّ رياحينا
ولولا تعلل النفس بعل وعسى. ورجوي جمع القادر على جمع الشتيتين لقضيت اسا. شعر
ما قدر الله أن يدني على شحط ... من دار الحزن ممن داره صول
رجع يا مولانا فقد أجرى المملوك جوار قلمه مرخي العنان. وشرح من انموذج حاله ما هو عند مولانا كالعيان. واسناه بث شوقه ما هو الواجب من تصدير السلام. وتقديم الثناء الذي لا تستوفيه الأرقام. ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام. ولئن شغل المملوك عما هو الأحرى. فقد أقام له البيت المشهور عذراء شعر
وشغلبت عن رد السلا ... م فكان شغلي عنك بك
فهو يحمل العبودية هذه من التحيات ما يتضوع قبل نشرها نشره. ومن الأثنية ما يضاهي الأفق زهره. ويباهي الرياض زهره. إلى ذلك المقام الذي سحب على فرقد الفراقد ذيل عقوه. وأورد نهر المجرة خيل مجده وسموه. وسلم له أهل الحل والعقد. وأذعنت لبلاغته جهابذة النقد. وألقت إليه الفصاحة مقاليدها. وكتبت ملوك البراعة باسمه تقاليدها. وأقر بفضله حتى الحسود. وأجمع على سودده السيد والمسود. وأرى الناس مجمعين علي فضلك ما بين سيد ومسود. امام جماعة الصناعتين. ومالك زمام براعة البراعتين. العلامة الذي خاض بحراً وقفت بساحله العلماء. وقفت اثره فانتهت إلى حدها من نقطة العلم وشكلة الحكم الحكماء. سلالة الوزراء الذين اقتعدوا صهوة الجلالة والمجد. وخلاصة العلماء الذين تركوا الغير في الغور وافترعوا من المكانة المكان النجد. مولانا الشيخ محمد بن حكيم الملك. لا زال محروساً بعناية مجري الفلك والفلك. بمحمد وآله آمين. وينهي ورود الكتاب الذي استهلت البراعة استهلاله. وأتى بالسحر الذي لا حرج في القول باستحلاله. وحرم على الأدباء حكاية حياكته والنسج على منواله.
أني تجاريه فرسان القريض ومن ... غباره في هواديهن ما نقضوا
يجرم المتأمل في فاتحته إنها فريدة وقتها. ويتلو عليه ما بعدها وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها. فقبل المملوك منه مواقع الأقلام. شوقاً لتقبيل مواضع الأقدام. وقراه سطراً سطراً. ولم يكن يستطيع مجاوزة فقرة منه إلى الأخرى. وسرح الفكر في معانيه التي هي إلى الافهام أجرى من الماء تحدر في صبب. وافعل بالالباب من ابن غمام زوج بابنة العنب. فاضحك المملوك بما تضمنه من تقلب مالكه في رياض البقا. وشغله في مراتب العز والارتقا. وأبكى بما انطوى عليه من شرح الحال التي عند المملوك شاهدها. والغربة التي يعالج لواعجها المملوك وإن كان في وطنه ويكابدها.
يودّ من عمره أن لا يفارقكم ... ما كل ما يتمنى المرء يدركه