فصبراً يا مولانا على ما جرت به الأقدار. ورضا بإرادة الله واختياره فإنهما خير مما يريده العبد لنفسه ويختار. ولا أبلغ في الوعظ والتنبيه لمن طلب منهما الغايه. من قوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئاً الآيه. وعذراً يا مولانا فأنا بهذه المواعظ كمن جلب التمر إلى هجر. وأهدى إلى البحر الدرر. ولكنني أتيقن أن مولانا لا يرى ذلك بحسن الظن والنظر. ثم انتهي المملوك إلى تلك القصيدة التي كل بيت منها ببيت القصيد. فكلل تاجه من جواهر عقدها الفريد. واستخرج من بحرها البسيط فرائد الفضل المديد. وعلم أن مولانا أراد اثبات عجز من عارضه فتم له ما يريد. وأكدت صوادح البان بشجوها أشواقه ولا أقول زادت فليس عليها مزيد.
وترنمت ذات الجناح بسحرة ... بالواديين فهيجت أشواقي
ورقا تعلمت البكا والبث من ... يعقوب والالحان من اسحاق
إني تضاهيني هوى وصبابة ... وأسا وفرط جوىً وفيض ماقي
وأنا الذي أملي الهوى من خاطري ... وهي التي تملى من الأوراق
وكيف يا مولانا يقبل المزيد شوق هو أعظم مما تصف الألسن وتشرح الأرقام. وفوق ما يتصوره الفكر وتتخيل الأوهام. ووراء ما يمكن أن يرى في الأحلام. أطفا الله حر النوى بالمشافهه. وأغنى عن المراسلة بالمواجهه. وعجل لكم الاياب إلى حرمه الشريف. والاقامة بسوح بيته المنيف. إنه على ما يشاء قدير. وبالاجابة جدير. والسلام ومن اشناء الشيخ محمد المذكور ما كتبه مراجعاً إلى بعض أصحابه من سادات العجم وقد كتب طلبه كتاباً يتضمن اظهار تلك المودة وأهدى إليه مرآة وعصا لو تطاولت إلى الأفلاك. وتناولت عن الأملاك. وسخرت لي الدراري المؤتلقه. ونضدت لي الدرر المونقه. فسولت لي الأمارة. والقريحة وقد غدت ببديع البيان سحاره. معارضة الدر المنثور في الكتاب المسطور. الذي ردت بلاغته دعوى معارضه رد الغيور بد الجابي عن الحرم. لكنت أورى في رابعة النهار. وأريه السها وقد أراني طوالع الأقمار. فاقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر إذا اتسق. إن منشىء تلك الحديقه. وموشى هاتيك الروضة الأنيقه. ممن أوتي الحكمة وفصل الخطاب. وجليت عليه من مخدرات عرائس البلاغة ما توارت عن غيره بالحجاب. كيف لا وهو الفرع المتهدل من دوحة أفصح من نطق بالضاد. وأوتي جوامع الكلم فآمن بمعجزها كل حاضر وباد. فاعجاز البلاغة تراثه. وإن من البيان لسحراً وإن من الشعر لحكمة ميراثه. ثم أبت نفسه الأبيه. وأنفت همة كماله العليه. أن يتقصر على تليد مفاخره العديده. حتى شفعها بطريف مآثره الحميده. فبلغ في المعاني الغايات. واخرس من تصدى لاحصاء ما أعطى من الكمالات
فإن قميصاً حيك من نسج تسعة ... وعشرين حرفاً عن علاه قصير
فعلى رسلك يا مولاي فجدك صلى الله عليه وآله وسلم القائل. أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم. وقد خاطبت الملوك بما يرد شقاشق البلغاء المبرزين في لهاة فحولهم. فكيف به وليس هو منهم في عير ولا نفير. ولا يعد منهم في قبيل ولا دبير. وقد الجأته الضرورة إلى ارتكاب أول القبيحين مقابلة الدر بالخشب. واغلاق باب المكاتبة فيعود نهاره لذلك كليل فتى الفتيان في حلب. ثم ما طرز به الكتاب. وحبر بوشيه الخطاب. من فقد المحبة الذي لا يزال المملوك به مثرياً. ولحديثه راوياً. ولعطاش الفقراء إليه مروياً. فقد يحمد الله غذى بلبانها. ورتع في ميدانها. وكرع من غدرانها. وتمسك بأشطانها. وضربت عنده بجرانها. فصار بها مذ كان في المهد صبياً صبا. وتلقاها في ضمن كريمة قل لا أسالكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.
إن المودة في قربى النبي غني ... لا يستميل فؤادي عنه تمويل
فهي لا تنفك كما ذكر مخدومي تزداد كثره. فيزداد بها القلب مسره. والعين قوه تتأكد كل حين. وتتجدد على تقادم السنين.
ويزيدها مرّ الليالي جدة ... وتقدم الأيام حسن شباب
لا يغشى سنا قمرها سحاب نقصان. ولا فصمت عروتها الوثقى يد الحدثان. فيزحزح المولى أيده الله سحابها. ويوثق أسبابها. باسداء الهدايا. واهداء المزايا شعر
تملك بعد حبك كل قلبي ... فإن ترد الزيادة هات قلبا