وأعجلنا النوى حتى لكدنا ... نودع بعضنا قبل التلاق
ولم يك غير موقعنا ونادى ... منادي الحي حي على الفراق
أبيني في نظير لا ضنين ... بنائله ولا ترف الحقاق
يرى شبحاً بلا ظل ونفساً ... يرددها التنفس في التراق
بنات الشوق تفحص في فؤادي ... وطفل الدمع يعبث بالمآقي
وأنت جعلتني حرز الأعادي ... ولو أحببت ما أكلوا عراقي
تلوكني الخطوب على هزالي ... ويحلو لي لها طعم الزعاق
ولو عقل الزمان دري بأني ... على من رامني مرّ المذاق
ولم تترك صروف الدهر مني ... ومن عضبي الحراز سوى رماق
أما والراقصات على الآل ... ومن حملوا على الكوم العتاق
لقد أضللت في ليل التصابي ... فؤاداً غير مشدود الوثاق
ألا يا صاحبي نحواي سيراً ... فقد قعد الهوى بي عن رفاقي
قفا عني باقرية الفتاقي ... فواقاً أو أقل من الفواق
سقى الله العراق وساكنيه ... وجاد مراتع الشدن بالطلاق
إلى أهل العراق يحن قلبي ... فوا شوقي إلى أهل العراق
وقال
يا خليلي دعاني والهوى ... إنني عبد الهوى لو تعلمان
عرجاً نقضى لبانات الهوى ... في ربوع أقفرت منذ زمان
مرتع أولع عيني بالبكا ... أمر العين به ثم نهاني
وقصارى الخل وجد وبكا ... فأبكياني قبل أن لا تبكياني
يا عربياً منحناهم أضلعي ... وغضاهم نار شوق في جناني
سودواً ما بين عيني والفضا ... ومحوا عنها سواد الديدبان
إن قلباً أنتم سكانه ... ضاع مني بين شعب والقنان
وقال
أتراك تهفو للبروق اللمع ... وتظن رامة كل دار بلقع
لولا تذكر من ذكرن برامة ... ما حن قلبي للوي والأجرع
ريم باجريت العراق تركته ... قلق الوساد قرير عين المضجع
في السر من سعد وسعد هامة ... رعناكم تصدغ ولم تتضعضع
وقال منها
قالت وقد طار المشيب بابها ... أنشبت في خلق الغراب الأبقع
وتلفتت والسحر راءد طرفها ... نحو الديار بمقلة لم تخشع
ولكم بعثت إلى الديار بمقلة ... رجعت تعثر في ذيول الأدمع
عرفت رسوم الدار بالمتربع ... فبكت ولولا الدار لم تشعشع
أملت لو يتلوم الحادي وما ... أملت إلا أن أقول وتسمع
وقال
ايه بذكر معاهد وأناس ... طابت بذكر حديثهم أنفاسي
اذكرتني حيث الاحبة جيرة ... حالي بهم حال وكاسي كاسي
هلا وقفت على منازلهم معي ... وبكيت ناساً بالهم من ناس
قالت عثيمة والخطوب تنوشني ... والشيب يضحك من بكاء الآسى
شابت شواتك والزمان مراهق ... والشيب يا شامي تاج الراس
وقال
أجدك شايعت الحنين المرجعا ... وغازلت غزلاناً على الخيف رتعا
وطالعت أقماراً على وجرة النقا ... وقد كنت أنهي العين أن تتطلعا
ولم أر مثل الغيد أعصى على الهوى ... ولا مثل قلبي للصبابة أطوعا
ومن شيمي والصبر مني شيمة ... متى أرم اطلالاً بعيني تدمعا
وقور على باس الهوى ورجائه ... فما اتحسى الهم إلا تجرعا
خليلي ما لي كلما هب بارق ... تكاد حصاة القلب أن تتصدعا
طوى الهجر أسباب المودة بيننا ... فلم يبق في قوس التصبر منزعا
إلى الله كم أغضبى الجفون على القذى ... وأطوى على القلب الضلوع توجعا
ألا حبذا الطيف الذي قصر الدجى ... وإن كان لا يلقاك إلا مودعا
ألم كحسو الطير صادف منهلاً ... فأزعجه داعي الصباح فأسرعا