ولولا بكاي في المعاهد سحرة ... لما سمعت للطير فيها مآثم
وكم يستمد القيظ من حر زفرتي ... وتمتار من أجفان عيني الغمائم
وما الرعد إلا أنه من جوانحي ... تنم بما زارته مني الحياء دم
فحتام قلبي في الصبابة هائم ... وإنسان عيني في المدامع عائم
خليلي كم أخفى الهوى وتذيعه ... جفون مساعي الدمع فيها النمائم
ولم أر مثل القلب عوناً على الهوى ... تشب به نار الجوى وهو كاتم
وفي كبدي من حب اسما جراحة ... تعز على الأسى فيها المراهم
وإن شفائي ما استدار نطاقها ... عليه وما ضمنته منه المباسم
ودون لقاء أسماء من بأس قومها ... سباسب ما سارت عليها المناسم
ومن ذا على خوض المهالك مسعدي ... وقد قل في هذا الزمان المسالم
أخلاي طرا حاسد ومفند ... وقال ومغتاب وواش ولائم
سقى تلعات الجزع فالشط فاللوى ... فسفح النقا سار من المزن ساجم
مغان قضت فيها الشبيبة حقها ... سروراً وغصن اللهو ريان ناعم
ولي بين هاتيك المعاهد ظبية ... تبات حواليها الليوث الضراغم
من الهيف نعساء النواظر طفلة ... لها السمر والبيض الرقاق تمائم
تنام فلم يلمم بها الطيف غرة ... بفحش ولم يحلم بها قط حالم
ترى علمت أني بها الدهر مغرم ... وأن فؤادي في الصبابة هائم
وإن لقلب لوعة يستثيرها ... إذا هدأت جنح الظلام الهمائم
لئن درست تلك المعاهد أو عفت ... فلم تعف من شهوى إليها معالم
وأن زماناً قد قضت لي صروفه ... بفرقة هاتيك الديار لظالم
وهل جاز لي أرض عن الدهر أواري ... به ضاحكاً والفضل غضبان واجم
ومالي لا أشكو الزمان وقد هوت ... بأهل النهى أحقاده والسخائم
يحار ذا ما سيل لم أخصب الفتى ... جهولاً ولم أكدى بها وهو عالم
وما هي إلا حكمة دون فهمها ... فلاة مطي العقل فيها روارم
تقاصرت الأوهام عنها كأنما ... عليها لتضليل العقول طلاسم
وأسلم شيءٍ أن يقال بأنها ... حظوظ قضى الباري بها ومقاسم
ألم ترني أستنهض الجد عاثراً ... وأستنطق الأقدار وهي أعاجم
وأستنجح الأيام وهي حوائل ... وأستمطر الأنواء وهي حوائم
وذنبي أن في البلاغة صادح ... وغيري في أسر الفهاهة باغم
وفي الناس من يستقصر الشعر رتبة ... وما الناس لولا الشعر إلا بهائم
فبي ختمت رسل الفصاحة وانتهت ... إلى ابن أمير المؤمنين المكارم
فتى يسعد الآمال والفضل عنده ... وتشقى القنا في كفه والدراهم
بمن ذا من الأجواد يوماً أقيسه ... وقد جاز في مسعاه كعب وحاتم
أنال الخراد البيض وهي كواعب ... وأعطي عتاق الخيل وهي كوائم
غدا حاكماً شرق البلاد وغربها ... وآمالنا فيما حواه حواكم
يجل صغير الأمر في عين غيره ... وتصغر في عينيه منه العظائم
أنيطت به الأحكام طفلاً وأنها ... تمائم مخصوص بهن الأكارم
نديماه يوم السلم شعر وعالم ... وخدناه يوم الروع رمح وصارم
ترج نداه المغني وهو نافع ... ولذ بحماه أمناً وهو عاصم
تخيلته في الدست بدراً متوجاً ... ولكنه في السرج ليث ضيارم
رسائله السمر العوالي إلى العدا ... وكم حمدت سمر العوالي العوالم
إذا سارا قذى مقلة الشمس عثيراً ... وروعت الجوازا به والنعائم
وسد الفضا الرحب بالخيل والقنا ... وضاقت به أنجاده والتهائم