للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا كالبحار تظل تجمع ماءها ... بل كالجبال يسيل عنها الماء

دار المعاني والبحار كليهما ... يوم العطاء لدى يديه هباء

خلق الأنام لقهره ونواله ... فهو الذي نشأت له الأشياء

فلسيبه وعطائه بسؤاله ... ولسبيه ولسيفه الأعداء

شرك الأفاضل في خصائص فضلهم ... وله خصائص دونها الاحصاء

إن لم أخص مشاعري بمديحه ... لا القلب ينفعني ولا الأعضاء

إن لم تسعه منازلي ومعاهدي ... فمحله بين الضلوع فضاء

مال الخلائق حيث مال كأنه ... شمس السما وكأنهم حرباء

عادت عصافيراً بذات زمانه ... وتصاغرت لجلاله الكبراء

ومنه

أنت العليّ ومن سواك أسافل ... أنت الامام وما وراك وراء

فعليك القاء الكلام على النهى ... وعلى العقول السمع والاصغاء

مروانه واملك واعط وامنح إذ ... على الأيام إلا الطوع والامضاء

قم هم وافتح وامض واعزم وانتصر ... فعلى الزمان لحكمك الاجراء

يا أيها الشهم المومل بايه ... يا من له الأحكام كيف يشاء

كنا نضاء بكل ضوءٍ فاختفت ... لما بدوت لضوءك الأضواء

حسبي سموا إن تكن بي عارفاً ... ما ضر أن ينكرني الضعفاء

الكل أنت فإن علمت طويتي ... لا ضير إن جهلتني الاجزاء

لا غرو إن لم تفصح الأيام بي ... الدهر ابن عطا وغني راء

وبذا جرى طبع الزمان وأهله ... دفن الكمال وأهله أحياء

لك في مجاري الروح ودّ كامن ... منه انبرى ذا القدح والابراء

هب لي قصوري واغفرن ذنبي فما ... أنا منه في هذا الهذاء براء

ما الجود مخصوص ببذل المقتنى ... بل منه عندي العفو والاغضاء

هذا مديح من خلوص عقيدة ... معلومة وتحية وثناءٌ

تنبيه أشار بقوله الدهر ابن عطاء وإني راء إلى واصل ابن عطا المعتزلي وذلك أنه كان الثغ قبيح اللثغة في الراء فان يخلص كلامه منها ولا يفطن بذلك حتى ضرب به المثل واستعمل الشعراء ذلك في شعرهم كثيراً فمنه قول أبي محمد الخازن من قصيدة مدح بها الصاحب بن عباد وهي قوله.

نعم تجنب لا يوم العطاء كما ... تجنب ابن عطاء لثغة الراء

وقال آخر محبوب يلثغ بالراء

أعد لثغة لوان واصل حاضر ... ليسمعها ما أسقط الراء واصل

وقال آخر

أجعلت وصل الراء لم تنطق به ... وقطعتني حتى كأني واصل

رجع وقال أيضاً يمدح الوالد وهي من غرر القصايد

اليلة قدر أم ليالي الرغائب ... ليال قطعناها بوصل الحبايب

ليال تجلت بالوجوه وزينت ... بها لا بأقمار ولا بكواكب

وما اسمن الأنظار والقلب وامق ... إذا كان مرعاها خدود الكواعب

رأيت وما آنست نوراً كوجهها ... وطفت بقاع الأرض من كل جانب

إذا خفيت لاحت وأخفت إذا بدا ... سنا وجهها مثل النجوم الثواقب

تعرضتها شاكي السلاح أخاف من ... صوارم لحظ أو سهام صوايب

لئن أخطأت بعض القلوب سهامها ... فما كل ما يرمى السقيم بصائب

لرويتها كلي عيونٌ وكلها ... بهاءٌ وحسن لم يزين بجالب

وما جثأت نفسي لدى الصد والنوى ... ويعرف قدر المرء عند النوايب

ولا أتحاشى الموت إن كان مقتلي ... بسهم لحاظ من قسيّ الحواجب

وكيف يخاف الموت من كان هلكه ... باشباه اطراف القنا والقواضب

مسافة بين الخافقين يذكرها ... لا قرب مما بين عين وحاجب

فل أدر إذ طال السرى بحديثها ... مشيت برجلي أم مشت بي ركائبي

اراقت دمي أم لم ترقه فإنني ... وإن أتلفتني لست عنها براغب

<<  <   >  >>